قال الأديب محمد المر «إن فن الرواية بدأ في مصر مع رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل، وروايات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، ويوسف السباعي، وجودة السحار، ويوسف إدريس، ويوسف القعيد، وجمال الغيطاني، وإبراهيم أصلان وغيرهم كثر، وكانت التجربة المصرية أهم تجربة روائية عربية لما تحويه من تيارات واتجاهات متنوعة، منها الكلاسيكي والواقعي والخيالي والعلمي والبوليسي والكوميدي، وقد تأثر الكتاب العرب جميعاً بهذه التجربة ونهلوا منها».
وأضاف المر: إن التجارب الروائية العربية اليوم متنوعة، والمراكز الثقافية متعددة، وقد ظهرت العديد من الأقلام المبدعة في كافة الدول العربية، ولكن الإبداع الروائي المصري لا يزال له حضوره وقوته، ولا يزال يقدم أقلاماً مبدعة، والكاتب ناصر عراق هو أحد تلك الأقلام الجادة بنى تجربته الروائية بروية وتؤدة، عبر ممارسة متواصلة، وقد أضاف له عمله في الصحافة الكثير، كما ساهمت تجربة الإقامة في الإمارات بقسط كبير أيضاً.
وختم المر: «نحن فخورون به، ونزهو بحصوله على جائزة كتارا الكبيرة، التي يتنافس فيها كبار الروائيين العرب».
جاء ذلك خلال الاحتفالية التي نظمتها ندوة الثقافة والعلوم مساء أمس الأول بمناسبة فوز رواية «الأزبكية» للكاتب ناصر عراق بجائزة كتارا للرواية العربية في الدورة الثانية 2016، بحضور الأديب محمد المر وسلطان صقر السويدي رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم، وأدار الندوة علي عبيد نائب رئيس مجلس الإدارة الذي قال «في هذه الأمسية نحتفي بأخ وزميل وأحد أعمدة ندوة الثقافة والعلوم الذين نعتز بعملهم وأدبهم».
وأشار عبيد إلى أن عراق سبق وأن وصلت روايته «العاطل» إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2012، ويأتي فوزه الآن بجائزة كتارا للرواية العربية تتويجاً لمسيرة من الجد والمثابرة، ورغم أن جائزة كتارا حديثة حيث إن هذه السنة كانت الدورة الثانية لها، إلا أنها جائزة مهمة حيث فاز بها كتاب كبار مثل واسيني الأعرج، وإبراهيم نصرالله، وإبراهيم عبد المجيد.
وأضاف عبيد أنه قرأ الروايتين «العاطل» و«الأزبكية»، وتملكه شعور عميق باستحقاقهما للجوائز، وسجل إعجابه برواية «الأزبكية» لتناولها بعمق مرحلة مهمة من تاريخ مصر، وما ورد فيها من معلومات تاريخية وشخصيات أبدع الكاتب في رسمها.
أما ناصر عراق فقال: سعادتي باتساع البحر بأنني بين أهلي وأصدقائي في ندوة الثقافة والعلوم، الذين تشرفت بمعرفتهم، وقد أتاحت لي الإقامة في الإمارات أن أتعرف إلى كثير من المثقفين والأدب الذين أعتز بصداقتهم وبالتواصل معهم، وكان لذلك أثر كبير في إثراء تجربتي.
وتحدث عراق عن رواية «الأزبكية» التي صدرت في يونيو/حزيران 2015، قال: «إنه كان يفكر في ما حدث من أحداث جسام في مصر أثناء وبعد ثورة 25 يناير 2011، ويحاول أن يفهم ما يحدث، وقد وجد أن هناك حقبة زمنية تشبه إلى حد ما هذا الواقع، وهي فترة الحملة الفرنسية على مصر من 1798، فقد تتالى على حكم مصر 9 حكام في فترة وجيزة، واعترتها فوضى عارمة عقب خروج الحملة، ولذلك اتجه إلى تلك الحقبة ليجعلها موضوعاً لروايته، لعلها تساهم في فهم الواقع المعاصر».
وأضاف عراق: أنه ككاتب ليس من مهمته التأريخ للأحداث، ولكنه يستفيد من الأحداث في بناء أحداث وشخصيات وعلاقات متخيلة، وقد تصور علاقة صداقة بين بطل الرواية أيوب السبع وهو شاب مصري يعمل في نسخ الكتب، ورسام فرنسي يدعى شارل جاء إلى مصر قبل قدوم الحملة الفرنسية بعامين، ويستشعر القارئ أن هذه العلاقة الغريبة المتخيلة هي التي شُيّد فوقها بناء روائي متكامل، رغم أن أيوب دعا مجموعة من أصدقائه إلى تكوين تنظيم سري مهمته قتل الجنود الفرنسيين، ولم تكتف الرواية بذلك، وإنما طرحت قضايا حول مفهوم الوطن والحرية والديمقراطية والقبول بالآخر.
الدكتور عبد الخالق عبدالله قال: «إن ما لفت نظري في كتابات ناصر عراق هو رشاقة اللغة والشفافية التي تجعلك تغوص فيها وتقرأ بشغف، لما يتمتع به ناصر من مثابرة واجتهاد، ورغم أن عراق دخل عالم كتابة الرواية متأخراً، فقد أصدر خلال عشر سنوات سبع روايات وهذا الزمن المكثف يدل على وجود مرحلة اختمار واستيعاب، انعكست على ثقافته التي كان مهموماً فيها بعالم السرد والذات».
من جهته قال الدكتور صالح هويدي: «ناصر استلهم التاريخ في كتابته وجمع بين التاريخ والتخييل وأدخل أحداثاً وعوالم مختلفة، وهو يتميز بإدراكه لدواخل الشخصية الروائية وكيفية تحريكها والغوص في أعماقها».
الزميل محمد زاهر قال: «إن عراق استطاع أن يجمع بين اللغة السردية السلسة، وبين الإحاطة العلمية بتاريخ الحملة الفرنسية»، مضيفاً أن الحملة الفرنسية ظلت منبعاً ثرياً للكتابات الفكرية والإبداعية، وأن ذلك يشير إلى الأثر العميق لهذه الحملة في تاريخ مصر والتاريخ العربي عموماً.
كلمة الختام كانت لسلطان السويدي الذي شكر الحضور لتلبيتهم الدعوة، وأثنى على الجهد الذي قام به ناصر عراق أثناء فترة عمله الماضية في الندوة التي تميز فيها بالجد والتعاون مع كل من حوله، وكان مثالاً للمثقف ذي الأخلاق العالية، مشيراً إلى أن تكريم المبدعين والمثقفين الإماراتيين والعرب هو إحدى الأولويات في اهتمامات الندوة.
دبي: «الخليج»