Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18121

جريم ماكري ينبش جرائم الماضي في «خطته الدموية»

$
0
0
القاهرة: نصر عبد الرحمن

وصلت رواية «خطته الدموية» للكاتب الأسكتلندي جريم ماكري بيرنت إلى القائمة القصيرة لجائزة بوكر الإنجليزية في أغسطس/آب الماضي، ويرى النقاد أنها استحقت هذا عن جدارة لما اتسمت به من ثراء وسرعة في الإيقاع وقوة في الحبكة.
لفت صعود الرواية إلى القائمة القصيرة انتباه القراء إليها، وأصبحت أكثر روايات القائمة القصيرة بيعًا في شهر أكتوبر/تشرين الأول وهو نجاح كبير قد يُرجح فوزها بالجائزة.
ولد جريم عام 1967، وأصدر رواية واحدة من قبل هي «البحث عن أديل بيدو» عام 2013، وهي تحكي قصة اختفاء نادلة في مطعم اسمها أديل، وبحث المُحقق جورسكي عنها، وحصل جريم عنها على جائزة الكتاب الأسكتلندي للعمل الأول.
صدرت روايته الثانية في مطلع هذا العام، وتدور أحداثها حول شاب في السابعة عشرة من عمره، يُدعى رودريك ماكري، فلاح يعيش حياة بائسة قام بقتل ثلاثة أشخاص عام 1869، تتخذ الرواية شكل مذكرات كتبها القاتل الشاب بعد ارتكابه جريمة القتل البشعة في قرية نائية شمالي إسكتلندا.
أثناء مُحاكمته، يرصد القاتل تفاصيل حياته المأساوية بدقة شديدة، ويُقدم - دون قصد - وصفًا نفسيًا للدوافع التي جعلته يرتكب هذا الفعل العنيف، إنه نوع من التفريغ النفسي، لا يسعى من خلاله ذلك الشاب البائس إلى التطهر أو حتى التوسل للحصول على العفو، يرسم المؤلف صورة قوية لشهوة ممارسة العنف في إطار من الإثارة المُتصاعدة، كما يتلاعب بفكرة الحقيقة رغم وضوح كل الوقائع، إذ تبدأ الرواية بمقدمة للمؤلف يحكي فيها كيف عثر على مُذكرات القاتل بالصدفة أثناء بحثه عن أصوله الأسكتلندية.
يرفض جريم تصنيف روايته باعتبارها رواية بوليسية، ويدافع عنها بقوله إنها رواية أدبية تتناول جريمة، ولكن بغض النظر عن المُسميات والتصنيفات، نحن أمام رواية أثارت إعجاب القراء على نطاق واسع نظرًا لحبكتها القوية التي تنطوي على إثارة تتصاعد مع كل صفحة، أشاد النقاد بالرواية، وبنجاح المؤلف في الاستعانة بعناصر الرواية البوليسية دون إهدار القيمة الأدبية ولا البنية الروائية؛ التي اتسمت بطابع تجريبي، إذ تمكن جريم من المجاورة بين شظايا من المواد الوثائقية وتضفيرها في السرد بطريقة سلسلة ومثيرة للإعجاب.
يظهر القاتل أثناء دخوله إلى منزل جاره الشرطي بغرض قتله، لأنه يكره هذا الجار، ثم يتشظى السرد ولا نعرف تفاصيل الجريمة ولا دوافعها إلا على مراحل عبر أقوال الشهود، واعترافات القاتل نفسه، يوحي هذا، بحسب بعض النقاد، بتأثر المؤلف بالكاتب الكبير جيمس جويس الذي كان سرده يتكون من وحدات غير مُترابطة ولكنها تصنع حالة إجمالية قوية، وهناك تأثر واضح بكافكا في رسم شخصية القاتل، لقد تضمنت الرواية وثائق لأقوال الشهود، والتقارير الطبية، ومحاضر تشريح الجثث، ووقائع المُحاكمة، وقصاصات الصحف التي تناولت تفاصيل الحادث، وكذلك مُذكرات القاتل، وربما كان هذا هو السبب الذي جعل جريم يختار العنوان الفرعي للرواية: «وثائق خاصة بقضية رودريك ماكري».
وبهذا الحشد من الوثائق والإشارات التاريخية، يضع جريم القارئ في حيرة حول طبيعة هذه الرواية؛ هل هي عمل خيالي أم تاريخي؟
تضع الرواية الحرية الفردية في مقابل الأعراف الاجتماعية، وتعيد تعريف الجنون، بطرح أسئلة حول طبيعته، وتضع الجنون العقلي في مقابل الجنون الاجتماعي وعدم القدرة على التكيف مع الواقع المُحيط، لقد قرر ماكري أن يُعيد تشكيل العالم على طريقته، كي يتخلص من الضغوط التي يمارسها جاره عليه، حتى يستطيع أن يعيش حياة طبيعية، إلا أنه نسي المُجتمع وطبيعته أثناء تنفيذ قراره بالانتقام، ولهذا يمكن اعتبار حالته نوعًا من الخلل الاجتماعي وليس الخلل العقلي. كشف جريم كذلك عن تفاصيل كثيرة حول طرق الحياة والتفكير وخاصة نظريات علم الجريمة والنظرة إلى المجرم في ذلك الوقت عن طريق شخصية طبيب السجن جيمس بروس تومسون الذي لا يحمل أدنى تعاطف تجاه طائفة المُجرمين، ولا يتقبل تبرير ماكري بأنه كان يكره جاره الذي حوّل حياته إلى جحيم حقيقي، ويرفض أي دفاع عنه باسم العلم من منظور نفسي.
تطرح الرواية فكرة العدالة الدموية في مُقابل الجريمة الدموية، وتعكس المنظور القديم لفكرة الثأر البدائي بديلًا للتعامل مع المُجرم كمريض يحتاج إلى علاج وإعادة تأهيل، حتى وإن لم يحصل جريم على الجائزة، فقد حصل على اعتراف بقيمته الأدبية من النقاد والقراء على السواء، لأنه تمكن من رسم صورة حيّة لمُجتمع معزول في القرن التاسع عشر، كشف من خلالها أعماق النفس البشرية واندفاعها الجًموح.



Viewing all articles
Browse latest Browse all 18121

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>