لطالما تعرض «أبوالفنون» لمواجهات كادت أن تظلمه أو ظلمته، بدءاً من التصريح بضعف حضوره أمام هجمات التقنيات الحديثة، وانتهاء بتصحر الإبداع فيه، فانتقل الناس إلى وسائل التواصل، بحثاً عن بديل.
ووصل الأمر بالبعض للدعوة لوضع تاريخ انتهاء صلاحيته، فهو لا يغري الشباب، ولا يدعوهم إلى مائدته بسهولة أدوات التواصل الحديثة، متجاهلين هشاشتها أمام قدرة المسرح على تعميق معنى الإبداع، وتوثيق صلته الإنسانية بالمتفرجين.
ورغم ما يظنه البعض، وما توقعه الكثيرون من انتقال حضور المسرح إلى السينما والتلفزيون، فإنّ الشاشات المتوهجة، لم تتمكن من إسقاط تمثال عظمة المسرح وعبقرية قدرته على الجمع بين الأدب والفن فوق خشبة واحدة، ما دام شغف أهل المسرح الحقيقيين لا يموت.
انتهى الأمر أحياناً إلى تنازل البعض عن المسرح اعترافاً منهم بهيمنة البرامج الإلكترونية الجديدة التي احتلت كل شيء، ولأنهم من فئة المنقبين عن شهرة سريعة، لا يدركون بأنها هي الأخرى لا تحتمل البقاء في عهدة أحد لفترة طويلة، فلا تلبث، أن تنتقل إلى آخر بسرعة البرق وهكذا، فقد لاحق البعض بريق تقنية الوسائط الرقمية، لأنها برأيهم تحكي بلسان العصر، وتلوح لهم مثل حبل النجاة، وهي من سينقذهم من فراغ المسرح.
غير أن «أبوالفنون» هذا الفن العظيم لا تفرغ جعبته من الحكايات، وظن البعض سهولة ولوج بوابته العصية عليهم، وكأن تطورات العصر قد هشمت أقفاله الصلبة التي أعجزت الكثيرين، وسمحت لمن تمنى يوماً الوقوف على خشبته ليستعرض كل ما يمكن استعراضه، ظناً منهم بأن المسرح لم يعد على عهده، فالزمن سيمحوه يوماً من على خارطته، لكنهم فوجئوا بانعدام الجاذبية على فضاء خشبته، والتي لا يسهل لأي كان تثبيت وقفته عليها.
ولأن واقع المسرح يخالف الظن، ولأن من يحرسون أبوابه يدركون بأن ظن البعض بزواله لن ينال منه، فالمسرح لا يزال المكان الوحيد الذي يمتلك خشبة صلبة مزروعة في عمق الأرض، والحالة الوحيدة التي ستملأ الكاتب والممثل والمتفرج برهبة الجدية في الكتابة والتمثيل والحضور، وهو الفن العريق الذي لطالما اهتزت جدران قاعاته بهدير الشغوفين به، وهو الأدب الأعمق الذي مزج كل هذه التوليفة، وأعاد تجسيدها لتصبح قصة حياة متجانسة، تدور في الواقع وتعيشها مجموعة تسكن فوق الأرض، وليست مجرد أوهام من فضاء المخيلة، وسيبقى المسرح فناً خاصاً وأدباً لا يشبهه أدب آخر.
وستظل شمسه ساطعة، في بيئة الإمارات الحاضنة للإبداع، والتي لم تتخل عنه، ولن تفعل يوماً، فمن يرعونه يدركون أهميته الثقافية والمجتمعية، وبأنه عصب تنمية المعرفة والإنسان، وتبقى مستجدات التقنية واحدة من الإبداعات، في حين يظل المسرح وسيلة إبداعية متاحة أمام كتاب النصوص والممثلين والمخرجين بدافع من الشغف والحب والحلم والطموح.
basema.younes@gmail.com