ثقافة للحياة

في ذكرى هجمات باريس الدموية، يعاد اليوم افتتاح مسرح الباتكلان، الذي كان ضحية لتلك الهجمات منذ سنة.
وتأتي إعادة الافتتاح هذه كاستدعاء لأهمية الثقافة في مقاومة روح القتل المجاني، واجتراحات الأفكار السلبية.
وبعيداً عن الحدث الثقافي في باريس جغرافياً، وقريباً من عمق مواجهاتنا كعرب ومسلمين لهمومنا وجراحنا، يمكن لنا أن نلتقط تلك الإشارات المقاومة، لنتأملها وفق احتياجاتنا الراهنة، ونطرح سؤال لحظتنا الحاضرة: كيف يمكن أن نعيد نحن إنتاج ثقافة للحياة نابعة من موروثنا، وصالحة لعصرنا؟
إنها إشكالية تنتج العديد من أنصاف المتعلمين الذين يبنون أفكارهم عبر صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، ليست مؤهلة أصلاً لتقديم معرفة موثوقة وكاملة، ثم ينطلق أولئك إلى تجسيد معرفتهم القاصرة تلك في ممارسات إجرائية بلون الدم، تعبر فقط عن قناعات ناقصة.
يستدعي التأمل هنا فيلماً أمريكياً أنتج سنة 2008 بعنوان «الخائن»، وهو عن قصة شاب مسلم أمريكي من أصل سوداني، يقرر أن يتعامل مع الاستخبارات الأمريكية، لاختراق جماعة متطرفة، ثم يحاول مع «جماعته» تجنيد بعض الشباب الفرنسي القابع خلف هوامش الفقر والتمييز العنصري ضد أصوله العربية وديانته المسلمة، لينفذوا عمليات استهداف للمصالح الأمريكية في مرسيليا وباريس، ثم يقرر الشاب الأمريكي المسلم وخبير المتفجرات في نهاية الفيلم أن لا يعمل مع الإف بي آي، لأن نفسيته أرهقت جداً من مشهد عمليات التفجير التي ساهم بها، وقتلت أمريكيين>
إن الشاب الأمريكي المسلم يرى أن رسالته في الحياة مناقضة للقتل حتى ولو كان من أجل تلك الحياة، من زرع في نفس ذلك الشاب الذي تربى بعيداً عن أصوله العربية والمسلمة تلك الذهنية؟ من أين استقاها؟.
إنها أسئلة توجد خارج الفيلم، إنها أسئلتنا نحن، إنها هي وحدها التي ستحدد متى وأين يمكن أن نبني من ماضينا القيم صوراً للحياة بكرامة وللموت بشرف وبعدل في موتنا.
وفي ثقافتنا الإسلامية، تنتفي تلك الإشكاليات وتذوب أمام قوة الواقع الساطع هناك، عندما يتبين أن إرادة الحياة والبناء، كانت دوماً سابقة على الرغبة في الموت، حتى برغم روعة وجمال الاستشهاد من أجل تلك القيم النبيلة والحقة والصادقة.

pechike@gmail.com