Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18121

فروم يدعونا للأمل

$
0
0
في ظل الظروف «اللا معقولة» التي يعيشها المجتمع البشري اليوم، جراء سيادة وسيطرة قيم السوق والاستهلاك ضمن منظومات قيمية وفكرية معينة، وفقدان الإنسان لإحساسه بوجوده الفردي عبر طحنه ضمن السياقات الفكرية والحياتية السائدة، وجعلها مآلاً لا بديل عنه، تترسخ الحاجة إلى إيجاد السبل اللازمة للخروج من هذا المأزق المتربص بالبشرية، هذه السبل التي حاولت خيرة العقول بحثها وطرحها أمام الجميع في أمل ألا تكون حالة «اللا معقول» المعيشة اليوم، وسابقاً هي المصير المحتوم.
من هنا ينطلق إيريك فروم في مؤلفه «ثورة الأمل» في محاولة بث التفاؤل والأمل في أن الإنسان قادر على انتزاع نفسه من الآلة والنظم التي اخترعها وأبدعها وأصبح حبيسها، والخروج من المأزق الملم بنا، وإيجاد المواقف الجديدة الضرورية بمساعدة العقل والحب المتوهج من أجل الحياة، وليس من خلال اللا معقولية والكراهية.
المسألة المحورية التي يطرحها فروم، تكمن في محاولة إيجاد بدائل للانسلاخ من الإنسانية، حيث أصبحنا عند مفرق طرق: طريق يفضي إلى مجتمع مصطبغ تماماً بالصبغة الميكانيكية، حيث إن الإنسان هو ترس في الآلة، وقد تكرس من أجل الإنتاج المادي بأقصى طاقة، كما تكرس بالنسبة إلى الاستهلاك بأقصى طاقة أيضاً.
وفي هذه السيرورة الاجتماعية فإن الإنسان نفسه قد تحول إلى جزء من آلة كاملة، وأصبح سلبياً وغير حي، وليست لديه إلا مشاعر واهنة، ومع انتصار هذا المجتمع الجديد فإن النزعة الفردية والخصوصية سوف تختفيان، وربما، فإن أكبر ملمح ينذر بالخطر في الوقت الراهن هو أنه يبدو أننا نفقد السيطرة على النسق الخاص بنا، ونحن كبشر ليست لدينا أهداف سوى أن ننتج ونستهلك المزيد والمزيد.
والطريق الآخر الذي يشير إليه فروم إنما يفضي إلى بعث النزعة الإنسانية والأمل لمجتمع يضع التقنية في خدمة رفاهية الإنسان، حيث إن هناك استقطاباً متنامياً يحدث في العالم كله، بين أولئك الذين انجذبوا لقوة الأفكار السائدة والمؤثرة في السلوك، أو بتعبير فروم للاحياة، وأولئك الذين لديهم اشتياق عميق للحياة، لوجهات نظر جديدة على نحو أفضل من الخطط الجاهزة والتصاميم المبرمجة، وهذه الجبهة هي حركة تربط الرغبة بالتغييرات العميقة في ممارستنا الاقتصادية والاجتماعية مع التغيرات في تعاملنا النفسي والروحي مع الحياة. وفي أقصى شكل عام لها فإن هدفها هو فاعلية الفرد، استعادة سيطرة الإنسان على نظام حياته، وأنسنة التكنولوجيا. إنها حركة باسم الحياة، وهي لها أساس عريض وعام، لأن تهديد الحياة هو اليوم ليس تهديداً لطبقة واحدة، لأمة واحدة، بل هو تهديد للكل، لذا فإن الأمل هو عنصر حاسم في أي محاولة لإحداث تغير اجتماعي في اتجاه حيوية ووعي وعقل إنساني أعظم.

غيث خوري


Viewing all articles
Browse latest Browse all 18121

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>