شاخ «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» طاعناً في الستين، يقارع أعاصير الزمن، وتطوراته التكنولوجية التي أبعدت القارئ عن الكتاب، وحولت الأجيال الصاعدة إلى مستهلكة لثقافة النقال الخليوي، وما تروجه وسائط التواصل الاجتماعي، وهي المسيطرة على صفحات الحواسيب، مكرسة الرث، البالي، المؤقت، والزائف.
المعرض يحاول الاستمرار لكنه لم يقوَ على ابتداع خطوات استدراكية تعزز من مكانة الكتاب، والمطالعة، لأسباب شتى، منها بقاء المفكرين والمنظمين للمعارض في التقليد الذي درجوا عليه في التعاطي مع المعرض بأن اقتصروا فيه على ما راج.. احتفالية تشارك فيها دور النشر ومعروضاتها، فضلاً عن الندوات. أما تواقيع الكتب، فباتت أعدادها تطغى على ما عداها، وربما أعطت الدفع لجذب جمهور لحضور حفلات التوقيع، لم يكن ليحضر في ظرف آخر، وفي الأغلب لم يأتِ للاطلاع على الإصدارات الجديدة، ولا للشراء، ليتحول المعرض إلى احتفالية تعج بالحركة، والحضور، ذهاباً وإياباً في كل اتجاه، محولين المعرض إلى طقس من طقوس الأعياد يطغى عليه البعد الاحتفالي.
المنظمون يعرفون مكامن الصعوبات حيث لا يدركها آخرون، فالإشكالية التي يواجهها المعرض، أي معرض، باتت في «تحول معظم المكتبات إلى أسواق للكتاب، بعدما تضاءل عدد مستوردي الكتب، وهكذا تحول معظم مكتبات العالم العربي إلى ناشرين.. أدى ذلك إلى فرض رسوم باهظة وتقنين غير منظم لعدد المشاركين، وشروط لا طاقة للناشرين عليها»، بحسب نقيب اتحاد الناشرين في لبنان سميرة عاصي.
ويعتقد الكثير من الناشرين والمؤلفين أن المعرض يتراجع، يقول صاحب دار «أبعاد» الكاتب سركيس أبو زيد الذي قدمت داره تسع تواقيع كتب: «المعرض يتراجع سنة عن سنة، خاصة لجهة التنظيم والحضور لأسباب إدارية والوضع الاقتصادي المعيشي وغياب أنشطة جذابة وضيوف مميزين وغياب المشاركة والتعاون مع وسائل الإعلام خاصة المرئي، وغياب الدعم الرسمي لتوفير الكتاب بسعر للجميع»، بينما قال صاحب دار نلسون سليمان بختي: «المعرض تظاهرة ثقافية جديرة بالدعم والاستمرار، لكن المعرض يفقد عاماً بعد عام الزخم والتنوع والعناوين الجذابة، وكذلك ضيوف المعرض الذين اعتدنا سابقاً على تنشيط المعرض بحضورهم، كما لاحظنا أن الإعلام خجول بمتابعة المعرض، رغم ذلك نحن مستمرون في النشر الجديد تعبيراً عن الاستمرار في الحياة، والإبداع فيها».
لكنه معرض للكتاب، «عيد الكلمة»، وهو «فسحة للثقافة والإبداع في زمن الحروب والأزمات»، و«بقعة ضوء»، بنظر رواد أقلام الكتابة والثقافة. أهميته ترتكز على «نشر الثقافة بمفهومها الجماهيري، وحشد طاقات إقامة الملتقى ليضم نخبة للمفكرين والمؤلفين وكل طلاب المعرفة»، وهو «عيد تتداخل فيه الثقافة مع التقاليد وحياة المجتمع اليومية»، بنظر المنظمين، لأن «رأس الحكمة مؤانسة كتاب»، وفق لافتة رفعت فوق الأجنحة.
ويرى الوزير السابق بشارة مرهج المعرض «ناجح تنظيمياً، وغنى ثقافياً، يعطي للحركة الثقافية، وللكتاب في البلد دفعاً قوياً، وتحول إلى مؤسسة ناجحة في لبنان والبلاد العربية، ويفترض دعمه، والمساعدة على تطويره حتى يستمر منارة في الحياة العربية الراكدة».
الكاتب سمير الحسن رأى في المعرض «تظاهرة ثقافية لا بد منها، وإن كان فيها هفوات ونواقص، فلا بد من تشجيعها، ودعمها، وتطويرها، ونأمل أن العهد الجديد يولي المعرض، والثقافة بصورة عامة، الاهتمام الذي يليق بها، والمعرض متنفس لجيل واسع من الكتاب الجدد الذين لا يجدون منطلقاً لهم إلا من خلاله».