Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18097

أبو القاسم الشابي

$
0
0
نجاة الفارس

يقال إن الإنسان ابن بيئته، ولعل الشعراء أكثر الناس تأثراً بمحيطهم، وهو الذي ينطبق على الشاعر «أبو القاسم الشابي» الذي ولد في 1909 في بلدة الشابة بالجنوب التونسي، وهي منطقة بالغة الجمال تمتاز بروعة الطبيعة.
نشأ الشابي في أسرة دينية حيث كان أبوه قاضياً شرعياً وخريجاً أزهرياً، عني بتعليمه في البيت أصول اللغة وقواعد النحو والصرف، وعندما بلغ سن الدراسة الابتدائية أرسله أبوه إلى الكتّاب حيث كان يحضر حلقات دروس علماء البلدة، وفي عام 1920 بعثه إلى جامع الزيتونة في تونس، وهكذا انتقل الشابي من أجواء الريف إلى المدينة وأقام فيها زمناً طويلاً وبعد أن نال الإجازة النهائية للجامع، التحق بالمدرسة التونسية وحصل على الإجازة في الحقوق عام 1930.
ازداد اهتمام الشابي بالأدب والشعر واتصل بأدباء العاصمة التونسية، وانضم إلى النادي الأدبي فيها، واستطاع في هذه الفترة أن يكوّن لنفسه ثقافة عربية جمعت بين التراث القديم والأدب العربي الحديث.. توفي والده سنة 1929 فحزن كثيرا لذلك، وكان لهذه الحادثة أثر بالغ في السنوات الأخيرة من حياته، فقد ألقيت على عاهله أعباء عائلة كبيرة، ومما زاد الأمور صعوبة رفضه أن يعمل في الوظائف الحكومية، إذ كان يرى أنها تتعارض مع حرية الشاعر، ثم كانت مأساة مرضه، إذ كان مصاباً بمرض عضال في القلب ظلت وطأته تشتد عليه باستمرار، ومن مآسيه التي تروى في حياته، أنه مر بتجربة حب قاسية، فقد تعلّق بفتاة، لكن الأمور آلت إلى نهاية فاجعة بينهما حين داهمها موت مبكر، فارتأى أهله أن يزوجوه، كي ينصرف عن آلامه وأحزانه، لكن المشكلة كانت تزداد تعقيداً، فلم يسعد بزواجه، ولم تبارحه أوجاعه، وما زالت مشكلات الحياة وصعوبتها الكثيرة تتوالى عليه إلى أن توفي وهو لا يزال في الخامسة والعشرين من عمره عام 1934.
أما بالنسبة للمناخ الوطني الذي عاشه الشابي، فقد كان في فترة ما بين الحربين العالميتين حين كان الوطن العربي يرزح تحت وطأة الاستعمار ويعاني أسباب الظلم والتعنت، خضعت تونس للاحتلال الفرنسي الذي كان يعمد إلى خنق كل مقاومة تحاول الحصول على الاستقلال.
وعلى المستوى الثقافي لم تشهد هذه الفترة حركة أدبية تجديدية نشطة في تونس نفسها، لكن الشابي كان على صلة وثيقة بالحركات التجديدية المهمة في العالم العربي وفي المهجر، وفي مقدمتها جماعة أبوللو إذ كان أحد أعضائها البارزين، وربما كان من نتائج هذه الصلة أنه أصبح رائد التجديد في الشعر التونسي الحديث.
من آثاره الأدبية ديوانه «أغاني الحياة» وكتابه النقدي «الخيال الشعري عند العرب» و«مذكرات» التي بدأ بتدوينها عام 1930 و«رسائل» ، ويعتبر إنتاجه الأدبي ضخماً إذا قيس بعمره القصير الذي أتيح له أن يحياه.
تشير آثار الشابي الشعرية والنثرية إلى موقف خاص متميز في عصره، ولاسيما في بيئته التونسية، فقد انطوت هذه الآثار على رغبة جامحة في تجديد الأدب العربي والثقافة العربية تجديداً جذرياً شاملاً، حيث ذهب إلى القول «إن كل ما أنتجه الذهن العربي في مختلف عصوره، كان على وتيرة واحدة، ليس له من الخيال الشعري حظ ولا نصيب، وإن الروح السائدة في ذلك هي النظرة القصيرة الساذجة التي لا تنفذ إلى جواهر الأشياء وصميم الحقائق».
يرى دارسو أدبه أنه متأثر إلى حد بعيد بأسلوب جبران ولهجته وفكره، فكلاهما كان لديه نقمة على الرجعية، وامتازا ببساطة الأداء في التعبير والصدق في الشعور، والعبارة التصويرية، وتقديس الحرية.

najatfares2@gmail.com


Viewing all articles
Browse latest Browse all 18097

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>