ينتمي الكاتب البريطاني «جوزيف روديارد كيبلنغ» إلى العصر الفيكتوري، وهو من أهم كتاب عصره، وقد ولد في 30 ديسمبر/كانون الأول 1865 في بومباي بالهند، ومات في 18 يناير/ كانون الثاني 1936 عن عمر يناهز السبعين عاماً، وعلى مدار حياته تنقل بين الهند وإنجلترا وأمريكا، وهو يعد من كبار كتاب القصة القصيرة في العالم، إلا أنه حقق كذلك شهرة كبيرة بوصفه شاعراً وكاتباً للأطفال؛ حيث حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1907، وكان غزير الإنتاج في الشعر والقصة والكتابة للطفل.
كان أبوه يعمل أستاذاً في فن النحت المعماري، واتسمت حياته طوال الوقت بالازدواجية، فقد كان وهو طفل يتحدث اللغة الهندية ثم يترجم أفكاره إلى إنجليزية ركيكة يتحدث بها مع والديه، إلى أن أتم السادسة من عمره فألحقه أبوه بمدرسة ابتدائية في إنجلترا، وتركه هو وشقيقه في ضيافة أسرة إنجليزية، كانت تعامله معاملة سيئة، وكان يعاني العزلة والضرب، وكاد يصاب بالعمى، ورغم ذلك فإن أحد أصدقائه وصفه قائلاً: «إن ابتسامته وراءها صبي صغير»، رغم أن حياته لم تكن تدعو إلى الابتسام».
وفي عام 1882 ترك كيبلنج المدرسة قبل أن يتم ال17 من عمره، وعاد إلى الهند ليعيش بين والديه، في ذلك الوقت كان والده مشرفاً على متحف الفن في لاهور، واستطاع أن يحصل له على وظيفة مساعد رئيس تحرير في صحيفة إنجليزية، وقد عمل صحفياً في الهند لمدة سبع سنوات يكتب خلالها المقالات والقصص التي نشرت في الصحف آنذاك، وبدأ يحقق شهرة عريضة بوصفه كاتباً، إضافة إلى مجموعته القصصية «حكايات بسيطة من التلال» نشر في هذه الفترة مجموعة شعرية بعنوان «أغاني الرحيل».
كان كيبلنج ينتج أفضل ما لديه وهو بين سن الخامسة والثلاثين والأربعين من العمر، وفي تلك الفترة التقى شقيقه إحدى الناشرات الأمريكيات وتزوجها، وانتقل معها إلى أمريكا، لكنه لم يستطع استيعاب الأسلوب الأمريكي في ممارسة شؤون الحياة فعاد إلى إنجلترا بعد أن فقد ابنته، وعانى مرضاً مميتاً، ومشكلات صعبة مع شقيق زوجته، وخلال هذه الرحلة كان يواصل عمله في الكتابة، وكانت زوجته مسؤولة مسؤولية كاملة عن كل شؤون الحياة المنزلية، حتى نفقات العائلة، وأدت دورها ممرضة وأماً وصرافة ومديرة منزل وخادمة، لكنها لم تكن أبداً مصدراً لإلهامه أو موضعاً لثقته في الأمور الأدبية.
الكتاب الذي ترجمته إيزابيل كمال وصدر عن المركز القومي للترجمة، تحت عنوان «مختارات من أجمل قصص كيبلنج»، وقد جمعها سومرست موم، ويوضح أن عمل كيبلنج كان يلاقي نجاحاً شعبياً كبيراً، كان الكاتب الأكثر شهرة في وقته، تنشر كتبه على ضفتي الأطلنطي، حين أصابه المرض في أمريكا احتشدت الجماهير خارج الفندق، الذي يقيم فيه، ليصلوا من أجله، وامتلأت ردهات الفندق بالصحفيين في انتظار أخباره، لكن بنفس درجة شعبيته بين القراء، كان سمعته الأدبية بين الكتاب تنهار، لقد وجهوا النقد إلى إنتاجه الغزير وشخصياته وحبكاته، وبريطانيته الشوفينية.
فقد ابنه في الحرب العالمية الأولى ولم يعثر على جثته أبداً، وظل حتى لحظة وفاته يعاني فقد ابنه، مثلما ظل يعاني أمراضاً عضوية كثيرة، منها قرحة الإثني عشر التي عجز الأطباء عن تشخيصها وعلاجها، ومع ذلك لم يتوقف عن الكتابة، كما قال عنه أحد النقاد: «إنه مسجون سجناً أبدياً في زجاجة الحبر»، وقد عالج في أدبه موضوعات كثيرة، فلم ينشغل بقضية ما بذاتها بقدر ما انشغل بالإنسان وأحواله بشكل عام، فكتب عن الحب والموت والفقر والمرض والفراق، كما تنوعت شخوصه بين الرجل والمرأة، والعلاقة بينهما، والطفل العجوز، كما تنوع سرده بين البساطة والتعقيد، وتنوعت لغته بين البساطة والانسيابية الشديدة، وبين المراوغة والتورية، وسيطرت روح حزينة غائمة على بعض كتاباته، لكنه أبداً لم يفقد روحه الساخرة وحسه الكوميدي.
القاهرة: «الخليج»