شهد مسرح المركز الثقافي في دبا الحصن مساء أمس الأول، تقديم المسرحية التونسية «عقاب أحد» إعداد وإخراج غازي الزغباني عن نص «حديقة الحيوانات» لإدوارد ألبي، وتمثيل محمد حسين قريع وغازي الزغباني، وذلك ضمن عروض الدورة الثانية من مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي.
في مكان هادئ من الحديقة العامة يجلس رجل مرتب الهندام على مقعد، يبدو عليه أنه ميسور الحال، وقد انهمك في قراءة كتاب بين يديه، وبينما هو كذلك يدخل رجل مهلهل الثياب، يوحي منظره بالمَسْكنة، ويتقدم من الرجل الميسور، فيسلم عليه، ثم يقول له من دون مقدمات، إنه قادم من حديقة الحيوانات، يرد الرجل الميسور التحية باقتضاب، ويعود إلى قراءة كتابه، ويكرر الرجل المسكين على مسامعه أنه قادم من حديقة الحيوانات، فيرد الرجل الميسور أنه سمعه، لكن المسكين يعيد الجملة، ويسأله إن كان يريده أن يقص عليه قصة حديقة الحيوانات، وبين إلحاح المسكين، وانصراف الرجل إلى كتابه، يتحرك الحوار إلى الأمام ببطء، وشيئاً فشيئاً يبني معلومات حول الرجلين، فالرجل الميسور، متزوج وله: ابنتان وقطة وعصفوران وبيت هادئ، أما المشرد، فيسكن في غرفة رديئة ضمن نزل خرب، وتجاوره فيه أسرة لا يتوقف ضجيجها وخصوماتها، وفي الجانب الآخر رجل مزعج هو الآخر، وحالته مقرفة، وفي المقابل امرأة مريبة لها كلب متوحش، وهي وكلبها يتفرسان فيه باستمرار، كأنما يريدان أن يلتهماه، وفي النزل أيضاً ساكن آخر، لكنه لا يراه إلا خارجاً أو داخلاً، ولا يعرف عنه شيئاً، وقد جعلته تلك الحالة يشعر بالوحدة القاسية، فهو لا يكلم أحداً من جيرانه، وليس منهم من يكلمه، ولم تكن وحدة ذلك المسكين بسبب وضعية السكن فقط، لكنها أيضاً تعود إلى بدايات طفولته عندما هربت أمه من البيت، وبقي مع والده الذي لم يلبث أن مات، فعاش عند خالته وحيداً فاقداً لحنان الأبوين، ما جعله دائم الإحساس بالوحدة والانقطاع عن الناس.
يقص الرجل المسكين على الرجل الميسور قصته مع كلب المرأة المريبة، فقد كان يخاف الكلب، ذلك الكلب الذي يقف له بالمرصاد عند كل دخول أو خروج بنظراته الشرسة، وفي إحدى المرات قرر أن يقتل الكلب فاشترى له لحماً، وأصبح يطعمه إياه كل يوم، ثم سمم اللحم، فمرض الكلب، لكنه لم يمت، وعاد إلى قوته، لكنه أصبح أقل إزعاجاً، بل أصبح الرجل يستمتع بتلك اللحظات التي يتبادل فيها النظرات مع الكلب، وكأنهما صديقين يعرف كل منهما لغة الآخر، ومع ذلك بقية الريبة والخشية بينهما، وقد جرب المسكين الذهاب إلى حديقة الحيوانات، وبناء صداقات معها ليعرف طبيعة سلوكها، لكن ذلك كله، لم يخلصه من الإحساس بمرارة الوحدة، وقساوة ألا يجد فيمن حوله من يصادقه، أو يكلمه، فكل واحد مشغول بنفسه، ومشاكله الخاصة، وليس لهم وقت للصداقات. يلجأ المسكين إلى الحديقة العامة في لحظة يأس قاتلة، لعله يجد من يكلمه، وعندما يعثر على ذلك الرجل الميسور، يصر عليه أن يتبادل معه أطراف الحديث، ويجلس بجانبه، لكنّ رائحته وسلوكه لا يروقان للرجل الميسور الذي يصاب بالغثيان، فيطلب من المسكين أن يترك له المقعد، ويبحث عن غيره، فيرفض المسكين، ويتشاجران، فيخرج المشرد سكيناً، ثم لا يلبث أن يرميها للرجل الميسور، ويقول له: هيا اضربني بها، فيأخذه الرجل الميسور، وأثناء تردد الرجل الميسور يلقي المسكين بجسمه على السكين، ليموت، وأثناء صعود روحه يشكر الرجل الميسور، ويطلب منه أن يأخذ كتابه، ويخرج من الحديقة قبل أن يراه أحد هناك، فيفعل، وتنتهي المسرحية.
إنها الفردانية، وانعدام الروابط الإنسانية، إنه المجتمع المعاصر، حيث كل شيء يتمحور حول الذات الفردية، ولا مكان للآخر في حياتنا، ويزداد الأمر سوءاً مع المساكين والمشردين الذين يحتاجون لمن يمد لهم يد الرحمة والعطف وينتشلهم من فقرهم وتشردهم، ومن أن يغرقوا في سوداوية ذواتهم حتى يصابوا باليأس المدمر.
كان التمثيل مقبولاً، بذل الممثلان جهداً كبيراً في تقديم عرض يقنع المتلقي، وكانت الفكرة الدرامية تساعد على ذلك بشكل كبير، لكن ما أعاق تلك العملية هو كثرة التكرار الممل، وطول لحظات الصمت بشكل أكثر من اللازم، حتى بدا في بعض اللحظات أن العرض ساكن ولا يريد أن يتقدم نحو الأمام، وكذلك السردية الثقيلة في بعض الأحيان.
دبا الحصن: «الخليج»