للفيلم الشعبي الأمريكي وقع السحر على المشاهدين في كل أنحاء العالم، ويبين «بول وارن» في كتابه «خفايا نظام النجم الأمريكي» أن هيمنة السينما الأمريكية تعود أساساً إلى تكنيك بسيط وفعال، ثم صقله بكل براعة على مدى العقود الماضية، ويعني المؤلف بذلك «لقطة رد الفعل».
ومن المعروف أن السينما تعمل انطلاقا من ثلاث نظرات: نظرة المخرج والمصور الذي يتولى مسؤولية تصوير اللقطات ونظرة الممثلين كل منهم لزملائه، ونظرة المتفرجين للشاشة، ويعتمد الخيال السينمائي الجذاب، على الالتقاء المتناغم بين تلك النظرات الثلاث.
يقول المؤلف: إن ما يهمني هو نظرة الممثلين وردود فعلها، فهذه النظرة بالذات هي التي تحدد النظرتين الأخريين، وترفع نمو الحدث الخيالي، وبعبارة أخرى فإن تعلق أنظار المتفرجين بالشاشة يتوقف على مدى نجاح الكاميرا في التقاط نظرات الممثلين بعضهم لبعض بشكل سليم، بل واستراتيجي، فعندما يتجه نظر الممثل نحو حافة الشاشة بوجل أو اشتهاء أو حب أو كراهية، ينعكس ذلك في نهاية الأمر في عين المتفرج.
يوضح المؤلف أن الأمريكيين برعوا في تطبيق استراتيجية لقطة رد الفعل، وغدوا أساتذة في هذا المجال، ولو أننا استعرضنا حوالي 15 فيلما من الأفلام الأمريكية التي حققت نجاحا ساحقا لتبين لنا كيف أن هذا التكنيك كان عنصرا حاسما في ترابط المشاهد وتطورها، وبالتالي في جذب المشاهدين، وكيف أنه يسهم في إضفاء ما يشبه الواقعية على الصورة السينمائية الأمريكية، وعلى سلوك الممثل الواقعي، ما يعطي الانطباع لدى المتفرج بأنه سيتصرف على هذا النحو لو واجه نفس الموقف، بل إن رد فعله أصبح على هذا النحو، نظراً لأنه بات يعيش الوضع نفسه، من خلال الممثل.
ويتبين لنا من خلال هذا الكتاب أن بعض الأساطير التي قامت على أساسها الأمة الأمريكية، ومنها الشعبوية (كل ما يجيء من الشعب لا بد أن يكون طيباً) والفردية، وحسن الجوار، والتوغل نحو الغرب، وترابط الأمة، والعناية الإلهية، كل هذا يدخل في صميم الأفلام الأمريكية، وتستخدم لقطة رد الفعل كما لو كانت من الشعائر، حتى باتت متغلغلة بعمق في اللاوعي الشعبي الأمريكي.
القاهرة: «الخليج»