أشارت إحدى الكاتبات خلال ندوة لمناقشة قصص الأطفال في مؤتمر دبي للنشر إلى أهمية النقد الأدبي في إقامة توازن بين الكتابة والمخيلة، وأكدت أن معضلة غياب النقد تتضح في تأثيرها السلبي على مخيلة الكتاب بل وقد يتسبب هذا الغياب في تضييق هذه المخيلة وانحلالها.
ورغم اتفاقي مع الكاتبة فيما يخص غياب النقد الأدبي وتأثير هذا الغياب على تكامل المنظومة الثقافية التي تحتاج إلى دراسات تتتبع تطور الأدب وتسعى إلى تحليل حاضره وتوقع مستقبله بناء عليها، لكنني لا أتفق معها في ربط النقد بالمخيلة في علاقة طردية تجعل نمو المخيلة يرتبط بزيادة النقد وحضوره لثقتي بأن مخيلة الناقد تستفيد من مخيلة الكاتب أكثر من استفادة الكاتب من تحليل ورأي الناقد، وبأن الكاتب الناجح هو الذي يكتب بحرية فلا يحد انسيابية إبداعه التفكير في صناعة كتاب يرضي النقد أو يجعله مقبولاً لديه ولا يقف عند احتمالات اعتراض النقاد على أفكاره أو مجرد الاهتمام بما قد يعنيه النقد بالنسبة إليه.
ومع أن الكاتب سيستفيد كثيراً من مداخلات النقاد وتفكيكاتهم لنصوصه، لكن استفادته تقتصر على التركيز في قياس مدى تعامله مع النص بحرفية والتزام فني يجعلانه يكتب ضمنهما لكنه لن يجعله كاتباً جيداً ومحترفاً أو يحث مخيلته على الابتكار ويدربه على التقاط الأفكار المميزة، ولن تتأثر مخيلته كما قالت الكاتبة سلباً بغياب النقد أو ضعفه أو حتى باختفائه نهائياً، وربما يكون العكس هو الصحيح حينما يجد الكاتب نفسه منطلقاً في مجال الكتابة فلا يعترض طريقه نقد ولا يعيده عن جموحه في متابعة طريقه أو حتى منهجه رأي يستثير الأسئلة ويركز على مناطق الضعف أكثر من تركيزه أحياناً على مناطق القوة.
ويسيء بعض النقد للكاتب أحياناً عندما يفرض عليه آراء قد تتسبب في تأطير مخيلته، وتدفعه للالتزام حرفياً بملاحظات توقعه في مطب مواجهة وجهات نظر آخرين تتعارض مع من سبقوهم، فتتحول حيرة الكاتب بين الالتزام بتوجيهات أكثر من ناقد واتباع الهام مخيلته إلى نتاج ضعيف، فاقد للهوية .
وربما تبرهن معظم روائع الكتب التي سجلت حضورها عبر التاريخ رغم اعتراض أهم النقاد في زمن كتابتها عليها بأن المخيلة لا تتأثر بالنقد، وبأن قوة المخيلة تتفوق على قوة النقد. كما تكاد معظم الجوائز التي يحصل عليها كثير من الأعمال الأدبية تجزم بأن غياب النقد لا يفسد مخيلة الكاتب ولا يميتها، بالنظر إلى أن ما يبدعه الكاتب يسبق النقد، إضافة إلى أن معظم لجان التحكيم الأدبية تعتمد في تشكيلاتها على الكتّاب أكثر من اعتمادها على النقاد وفي أحيان أخرى تتشكل هذه اللجان من الكتّاب فقط وبغياب أهل النقد عنها غياباً تاماً.
basema.younes@gmail.com