تستقطب فعاليات معرض دبي الدولي للخط العربي في نسخته التاسعة، التي انطلقت يوم الأثنين الماضي وتستمر حتى 30 أبريل الجاري في مركز وافي، متابعة كبيرة من المهتمين بالخط العربي والتشكيل، حيث تعرض أعمال أكثر من 50 خطاطاً وفناناً عالمياً في مجال الخط العربي، يقدمون أعمالاً كلاسيكية وحديثة، تحمل في طياتها نوعاً من الصراع الفني الفكري بين كلاسيكيين ومحدثين وتوفيقيين، حيث يحمل كل فريق أفكاراً ورؤى مختلفة في مجال الخط واستخداماته، ولئن كان بعض كبار الفنانين في هذا المجال، يرون بضرورة اشتباك الخط العربي مع الفنون الأخرى من أجل عملية التجديد المرجوة، إلا أن آخرين يرون بضرورة عدم الخروج عن القواعد والشروط التي تحكم الخط العربي، فيما يرى فريق ثالث أهمية المزاوجة بين الكلاسيكية والحداثة.
لقد ظل الجميع لفترة طويلة ينظرون إلى خصوصية هذا الفن الذي اختص به العرب على غيرهم، وربما هذا جعل الكثيرين، حتى من دعاة التجديد، يقبلون على خطوة الاشتباك بالفنون الأخرى في هذا الفضاء التشكيلي بحذر شديد، وربما نلمح لحظة ملتبسة في مجهودات التجديد المبذولة، ترمي إلى تجديد يحافظ على خصوصية هذا الفن العربي.
ويبدو أن الكثير من الفنانين في هذا المجال يحتفظ بتعريف خاص للتجديد وللمحافظة، وقد استطلعت «الخليج» آراء بعض الفنانين المشاركين في المعرض، في محاولة لاستكشاف مناطق الوحدة والصراع بين الأصالة والمعاصرة.
يرى الفنان الإماراتي خالد الجلاف أن هذه الدورة من المعرض، ضمت أعمالا حفلت بالجديد وبنوع من اللوحات التي تتسم بالتجريد في الخط، وهذا يدل على قوة الخط وإمكانياته، كما أن هنالك أعمالا أقرب ما تكون إلى «إظهار العضلات» حيث احتوت على كثير من دقة الحرف والالتزام بالمعايير العالمية، إلا أنها في الغالب جاءت في تراكيب ليست حديثة، وإنما هي تراكيب مطروقة ومعروفة.
وأكد الجلاف على ضرورة التجديد والابتكار بشرط الالتزام بدقة الحرف وقواعده، وبرغم أن التجديد قد يجد مقاومة، إلا أن المبادرة مهمة ويجب عدم التردد في خوض غمار التجربة، ويبقى التقييم الأخير ملكاً للمتلقي، الذي يتفاعل مع العمل الفني وما يحمله من أفكار، وفق رؤيته ومعارفه وثقافته الخاصة، فيرفض عملا ويقبل آخر، وهذه هي طبيعة الفن والحياة.
ويشير الخطاط الجزائري محمد صفر إلى أن المعرض قد حقق المعايير الدولية من الناحية اللوجستية وانتقاء الأعمال، واختيار الأسماء التي تمثل النخبة الخطية في العالم العربي والإسلامي، وتتواجد فيه الأعمال التي تسعى إلى توظيف الخط كعنصر تشكيلي في اللوحة، معتبرا أن في ذلك إضافة للخط، وللثقافة البصرية للمتلقي العربي، فالتجديد لا يلغي الأصالة، وإنما يأتي كمكمل لها، ومسألة الانفتاح في الفنون مسألة واجبة ولازمة، لأن التعصب والانغلاق على شكل فني محدد لا يخدم الخط ولا الفن ولا الفنانين.
واعتبر الفنان الأردني إبراهيم يعقوب أبو شاورية، من خلال مشاركته الخامسة على التوالي، أن المعرض يشهد تنوعا لم يكن موجودا في السابق، حيث غلب في الدورات السابقة تواجد الخط الكلاسيكي، وهو ما يشكل إضافة نوعية للمعرض من خلال عرض وتقديم كافة أشكال الخط واحترام كافة التجارب التي يقدمها الفنانون على تنوع مشاربهم واتجاهاتهم.
وأكد أبو شاورية على أهمية اختيار النص أكثر من التكوين الفني أو الشكل المراد للوحة، حيث إن كثيرا من الفنانين أساء للأسف لمعنى الحروفية، فهم يعتقدون أنها تعني فقط جمع حروف وتلوينها من دون أن يكون هناك مغزى أو معنى أو حتى قواعد بسيطة يجب اتباعها والاهتمام بها.
ويحاول الفنان التونسي عمر الجمني، من خلال مشاركته أن يبرهن عمليا على تجديده في مجال الخط وتوظيفه من خلال اللوحة التي تتضمن النص القرآني «نون والقلم وما يسطرون»، حيث إن عمله جاء ليدخل كلمات النص القرآني الكريم في فضاء العمل التشكيلي المعاصر، وفق رؤية خاصة.
ويرى الجمني أن مثل هذه المحاولة قد تكون صعبة على المتلقي ولا يسهل استساغتها، إلا أنه من الضرورة احترام حرية الجمال والتفكير، وأن يطلق الفنانون العنان لإبداعاتهم، عبر فتوحات فنية جديدة.
بدوره أكد الفنان المغربي بالعيد حميدي على ضرورة الحفاظ على القواعد الراسخة والثابتة لهذا الفن، حيث إن التشبث بالأصول والجذور هو ما يمكن من الحفاظ على الهوية التراثية، لأنه إذا نزع الجميع إلى الحداثة، سيأتي جيل من بعدنا لا يجد ما يستند إليه، فالخط العربي هو فخر العرب والمسلمين في الفنون، وهم الذين ابتكروه وانفردوا به دون سائر الأمم.