الشارقة: محمدو لحبيب
الحديث عن فطرة النفس عند الإمام والصوفي المشهور أبو العباس المرسي هو حديث عن النظرة إلى علاقة تلك النفس بربها، وحديث عن اختلاف نظره إلى سر الفطرة التي لا يحيط بها عقل محدود الرؤية والتفكير كما يقول في قصيدته المعنونة ب«فطرة النفس»:
ففطرة النفس سر لا يحيط به
عقل تقيد بالأوهام والدرن
لكنها برزت بالحكم قائمة
حتى تألفها السكان بالسكن
تربى أبو العباس وفق فطرة سليمة على طريقة الحديث النبوي الشريف الذي رواه البخاري في صحيحه: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ»، فبعد ولادته سنة 616ه لأب من أهل مرسية كان يعمل في التجارة ما مكنه من إرسال ابنه أبو العباس إلى معلّم للقرآن الكريم والتفقه في أمور الدين، وقد حفظ القرآن الكريم كله في سنة واحدة وتعلم بالأندلس أصول الفقه والقراءة والكتابة.
استغرق بقلبه في ذكر الله فكان شغله الشاغل أن يتقدم كل يوم خطوة في طريق الحق والحقيقة، وكان قدوة لتجار عصره في التأدب بأدب الدين الحنيف، حيث كان يجاهد نفسه بالصوم أياماً كثيرة من كل شهر، وقيام الليل إلا أقله، ويمسك لسانه عن اللغو واللمم، فباتت نفسه تفصح عن فطرتها المختلفة، وعن علو همة متنام باستمرار نحو جوهر علاقة النفس بربها وخالقها، تلك العلاقة التي يمهد لها ويشرح مضامينها في قصيدته الآنفة الذكر حين يقول:
إن كنت سائلنا عن خالص المنن
وعن تآلف ذات النفس بالبدن
وعن تشبثها بالحظ مذ ألفت
أدرانها فغدت تشكو من العطن
ثم يأتي أبو العباس بعد تلك المقدمة الوصفية المتسائلة على شكل حوار مع السائل عن حقيقة النفس، وعن أطوارها المختلفة، وكيفية تجاوزها، بالجواب واليقين الذي يراه كافياً لتزكية النفس وغسلها من كل ما يمكن أن يعلق بها من أدران الحياة فيقول:
خذها إليك بحق لست جاهله
والأمر مطلع والحق قيدني
على الحقيقة خذ علم الأمور
ولا تحجبك صورتها في عالم الوطن.
فصورة النفس عند المرسي كما تبدو في الواقع ليست هي حقيقتها كما يقول، بل ثمة عوالم أخرى يجب تفحصها لأولئك السائلين عن أغوار النفس، ويبينها في الأبيات التالية:
والنفس بين نزولٍ في عوالمها
كآدم وله حواء في قرن
والروح بين ترق في معارجها
وهي الموافق للتعريف والمنن
من الحجاب دنت أنوارها فبدت
نوراً تنزل بين الماء والدمن
يستدعي أبو العباس بعد ذلك سورة النور، فيدرج تضميناً من الآية الكريمة «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّه لِنُورِهِ مَنْ
يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»، فقال:
زيتونة زيتها نور لصاحبها
قامت حقائقها بالأصل والقنن
الحديث عن فطرة النفس عند الإمام والصوفي المشهور أبو العباس المرسي هو حديث عن النظرة إلى علاقة تلك النفس بربها، وحديث عن اختلاف نظره إلى سر الفطرة التي لا يحيط بها عقل محدود الرؤية والتفكير كما يقول في قصيدته المعنونة ب«فطرة النفس»:
ففطرة النفس سر لا يحيط به
عقل تقيد بالأوهام والدرن
لكنها برزت بالحكم قائمة
حتى تألفها السكان بالسكن
تربى أبو العباس وفق فطرة سليمة على طريقة الحديث النبوي الشريف الذي رواه البخاري في صحيحه: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ»، فبعد ولادته سنة 616ه لأب من أهل مرسية كان يعمل في التجارة ما مكنه من إرسال ابنه أبو العباس إلى معلّم للقرآن الكريم والتفقه في أمور الدين، وقد حفظ القرآن الكريم كله في سنة واحدة وتعلم بالأندلس أصول الفقه والقراءة والكتابة.
استغرق بقلبه في ذكر الله فكان شغله الشاغل أن يتقدم كل يوم خطوة في طريق الحق والحقيقة، وكان قدوة لتجار عصره في التأدب بأدب الدين الحنيف، حيث كان يجاهد نفسه بالصوم أياماً كثيرة من كل شهر، وقيام الليل إلا أقله، ويمسك لسانه عن اللغو واللمم، فباتت نفسه تفصح عن فطرتها المختلفة، وعن علو همة متنام باستمرار نحو جوهر علاقة النفس بربها وخالقها، تلك العلاقة التي يمهد لها ويشرح مضامينها في قصيدته الآنفة الذكر حين يقول:
إن كنت سائلنا عن خالص المنن
وعن تآلف ذات النفس بالبدن
وعن تشبثها بالحظ مذ ألفت
أدرانها فغدت تشكو من العطن
ثم يأتي أبو العباس بعد تلك المقدمة الوصفية المتسائلة على شكل حوار مع السائل عن حقيقة النفس، وعن أطوارها المختلفة، وكيفية تجاوزها، بالجواب واليقين الذي يراه كافياً لتزكية النفس وغسلها من كل ما يمكن أن يعلق بها من أدران الحياة فيقول:
خذها إليك بحق لست جاهله
والأمر مطلع والحق قيدني
على الحقيقة خذ علم الأمور
ولا تحجبك صورتها في عالم الوطن.
فصورة النفس عند المرسي كما تبدو في الواقع ليست هي حقيقتها كما يقول، بل ثمة عوالم أخرى يجب تفحصها لأولئك السائلين عن أغوار النفس، ويبينها في الأبيات التالية:
والنفس بين نزولٍ في عوالمها
كآدم وله حواء في قرن
والروح بين ترق في معارجها
وهي الموافق للتعريف والمنن
من الحجاب دنت أنوارها فبدت
نوراً تنزل بين الماء والدمن
يستدعي أبو العباس بعد ذلك سورة النور، فيدرج تضميناً من الآية الكريمة «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّه لِنُورِهِ مَنْ
يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»، فقال:
زيتونة زيتها نور لصاحبها
قامت حقائقها بالأصل والقنن