Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18097

صرحُ الكتاب

$
0
0
غيث خوري

هناك كتب نتصفحها بمتعة ناسين الصفحة التي قرأناها ما إن ننتقل إلى الصفحة التالية. وكتب نقرؤها بخشوع دون أن نجرؤ على الموافقة أو الاعتراض على فحواها. وأخرى لا تعطي سوى معلومات ولا تقبل التعليق. وهناك كتب نحبها بشغف ولوقت طويل، لهذا نردد كل كلمة فيها، لأننا نعرفها عن ظهر قلب.. «ألبرتو مانغويل - يوميات القراء».
منذ ألواح الطين البابلية، شكل الكتاب أحد أهم الأدوات التي عرفها الإنسان، ورغم اختلاف حضوره بين أيدي القراء في الحقب الزمنية المختلفة، عندما كان حكراً على البعض دون الآخر، إلا أنه كان على الدوام، ذاك الكنز الذي أسهم في تقدم البشرية وارتقائها.
لطالما لعب الكتاب دوراً في حياة قارئه، دوراً جوهرياً ومحورياً يستمد قوته من قوة المعرفة وسطوتها، فكان هو المحرر والمنقذ من عتبات الجهل والتعصب والجمود الفكري والعقائدي، كما أن قوة القراء، لا تكمن في قدرتهم على جمع المعلومات كما يرى مانغويل، وإنما في موهبتهم في تفسير وتوحيد وتحويل ما يقرأون.
معروف أن المعرفة في تراكم النصوص أو المعلومات، وليس في مادة الكتاب نفسه، بل في التجربة المستقاة من الصفحات، وقدرة قارئها على خوض تجربته الخاصة، وإنشاء عوالمه الخاصة مستثمراً النص المقروء.
ظلت سطوة الكتاب وما زالت تقض المضاجع، فكم من الحوادث شهد التاريخ فيها على إحراق الكتب وتدمير المكتبات، والتضييق وشد القبضة على الفكر والمفكرين في كل مكان، لقد دمر المغول واحدة من أعظم دور العلم في الأرض مكتبة الحكمة في بغداد، وأحرقت مكتبة ابن رشد في الساحة الكبرى بمدينة أشبيلية، والتي كانت تضمّ إلى جانب مؤلفاته، كتباً لابن سينا والفارابي وابن الهيثم وغيرهم، ووسط حضور حاشد أرغم ابن رشد على مشاهدة مئات الكتب لعشرات الفلاسفة والمفكّرين، وهي تُحرق وسط تكبير وصراخ الغوغاء الذين اتهموه بالكفر، أما الاحتلال الأوروبي، فمنع في كل البقاع الشاسعة التي احتلها، أهل هذه البلاد من العلم والمعرفة وحرّم القراءة واقتناء الكتب واعتبرها جرماً يعاقب عليه، خائفاً ومرتعداً من تلك السطوة والهالة التي تتجسد في حروف وكلمات الكتب.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 18097

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>