تقول الكاتبة الفرنسية (بي إي باريس) التي تعيش في بريطانيا، وقد صدر لها روايتان واحدة بعنوان (خلف الأبواب الموصدة) والثانية بعنوان (الانهيار): «إن السر وراء نجاح الكاتب - أي كاتب - يكمن في الحماس، وفي قدرته على كتابة ما يريد هو، وليس تبعاً لاشتراطات السوق».
وفي معرض إجابتها عن سؤال إحدى معجباتها حول كيفية ولادة الأفكار توضح أنها تكتب من واقع تجاربها الشخصية، أو من واقع ما يحصل لأشخاص مقربين منها.
تفتح (بي إي باريس) سؤال الواقع في الكتابة الروائية، وهو الذي يؤكد أن الواقع ما زال هو المعين الذي ينضج أفضل الأعمال الإبداعية على مستويي الروايات والقصص.
غير أن هذا الواقع ليس هو بكل تأكيد ما عكسته موجة الروايات الرومانسية التي تغلب عليها قصص الحب، وتركز على العلاقات الاجتماعية السائدة بين الرجل والمرأة، وتقتصر على تقديم التسلية والمتعة للقارئ.
هذا الواقع بات في عالم اليوم شاسعاً، وغائراً في التفاصيل، وهو بالضرورة واقع متغير، بتغير السنين وتطور العلم، وأيضاً واقع ممتد وفسيح، من الروبوتات والعالم الافتراضي، إلى الشجرة يابسة الساق ومتعفنة الجذر، في بيئة شحيحة من المياه وعطنة بالروائح والقاذورات.
وهو واقع يتحين الفرص لينقض على اليقظة، فيغدو باهتاً، مسلحاً بالعنف، واقع متوار خلف الأبواب الموصدة، التي تتيح للكاتب أن يبدأ من لحظة غير متوقعة في العالم، يمكن أن تكشف عن صلف الإنسان، وهو يتصرف على نحو بوهيمي، فيشكل بيئة من الخراب والقسوة والعزلة التي لا تفعل شيئاً سوى بث مشاريع النفور والكراهية.
ما الذي يمكن أن تقوله الرواية اليوم، هو أشبه بالانهيار الذي يحوم في الأفق، وهو أكثر شبهاً بما لا يمكن توقعه، حتى لو خرج عن قواعد الجنس الأدبي المعروفة، وهو الشرط الذي يجعل العمل الإبداعي محلقاً، وقادراً على ابتداع قواعده هو من خلال قوة الخيال والإيحاء، ومن خلال ابتكار تقنياته هو لا غيره.
هو مساحة للكشف، ومحاولة لاجتياز الرتابة داخل الجدران الموصدة، التي تصدح موسيقى حزينة متشحة بالسواد في ظلال رومانسية مكشوفة ومتوهمة.
هو محاولة لمقاربة شعور سمكة محنطة، تشكو لعلبة معدنية عن الضجيج الذي يمكن أن يرسله مذياع عالي الصوت يصم الآذان، هو ذلك الشرخ الذي يحبس الأنفاس في ذات الغرفة التي تسمع صخبها وراء الابتسامات الكاذبة والتحايا المشروخة.
هو كل هذا، وأكثر، هو حوار استثنائي بين أبطال وشخصيات من لحم ودم، يكشفون عن قسوة الواقع في ظلال أسطورة ولدت للتو، من رحم الجثث والشظايا والبارود.
Ohasan005@yahoo.com