Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18117

«مدينة النجوم».. بغداد سلوان البياتي في الغربة

$
0
0
الشارقة: علاء الدين محمود

يعتبر عبد الوهّاب البياتي (1926 - 1999) واحداً من أبرز شعراء العراق والوطن العربي، عاش حياة المنافي والغربة، وحل ضيفاً في مدن عديدة بعيداً عن أهله وناسه، لكن شعر الوطن وقصائد بغداد ظلت هي النجوى والسلوى، ونلمح ذلك بصورة خاصة في قصيدته الشهيرة «بغداد يا مدينة النجوم»، ذلك الموال الذي يحكي عن قصة شوق عظيم، حيث كان في غربته يتابع أخبار محبوبته، وكيف صارت، ويتذكر تلك الأيام التي عاشها فيها.
يعتبر البياتي من الرواد في عدة مجالات شعرية، اشتهر كرائد للشعر الحر، وعرف كشاعر يوظف التراث الأسطوري في إبداعه، كما شكل الشوق والحنين خريطته الشعرية، فشعر البياتي حافل بالمكان، حافل بالعراق وبغداد، وهو يذكر تفاصيلها اليومية البسيطة بالتقاط خلَّاق، حين يقول:
أيها الحرف/ الذي علمني جوب البحار/ سندبادي مات مقتولاً على مركب نار/ وطني المنفى/ ومنفاي إلى الأحباب ذر/ وجه أمي، أبداً ألمحه عبر الجدار/ وجه أمي والصغار.
لا تكاد تخلو قصيدة للبياتي من هذه الإشارات المكانية التي تأتي عبر دفقات وإشارات، وربما في بعض الأحيان تكون عابرة تقتضيها التفاتة أو تشبيه، والحنين يبدو أصيلاً في شعره، نجد ذلك في صوره الرومانسية، ولغته وموسيقاه، وفي ذلك التصوير المبدع الخلَّاق للمشاهد الواقعية، والتكثيف للوقائع اليومية، وقد عبرت كثير من هذه القصائد عن حلم ظل يداعبه بالعودة إلى تلك الأماكن، والبقاء فيها لحظة من العمر قبل الوداع الأخير، وأحلام العودة ظلت حاضرة في تلك القصائد بقوة، كنصه الذي يقول فيه:
إلهي أعدني إلى وطني عندليب / على جنح غيمة / على ضوء نجمة / أعدني فلّة / ترف على صدري نبع وتلّة. كانت بغداد تلك المدينة الرمز، والتاريخ، والأساطير، حاضرة دوماً في شعر البياتي، وفي حين أخذت الغربة وحياة المنافي الكثير من شاعرنا، فقد أضافت بالمقابل الكثير إلى مفرداته الشعرية، وإلى تلك الحمولة الرومانسية التي تتضمنها نصوصه، ومنها هذا النص «بغداد يامدينة النجوم» الذي يكاد ينطق كل حرف فيه شوقاً وحنيناً، يحدث فيه الشاعر نفسه بالعودة مرة أخرى، وربما أخيرة إلى تلك الحيوات التي تحفل بها بغداد، فيذكر كل معالم المدينة التي اشتهرت وعرفت، ويتغنى بسمائها ونخلها وأنهرها وشوارعها، يقول في مطلعها:
بغداد يا مدينة النجوم
والشمس والأطفال والكروم
والخوف والهموم
تعبر القصيدة عن قصة حب عظيم، وشوق مقيم، لم تبدده العواصم التي ذهب إليها منفياً مشرداً، بل زادتها ألقاً وشوقاً، فبغداد هي مدينته التي ولد فيها في حي «باب الشيخ»، وفي هذا الحي تعلم البياتي أن ينحاز دائماً إلى الفقراء والبسطاء، حيث كان الحي مزدحماً بالعمال والباعة المتجولين والبسطاء المهاجرين من الريف العراقي، وفي هذا الحي الفقير ولد البياتي وعاش حياة البؤس والعدم.
نلمح في القصيدة تلك المناجاة الشفيفة لمدينته المحبوبة، إذ يخاطبها ذاكراً محاسنها ومعالمها، وبطرف خفي يشير كذلك لما يعانيه الناس فيها، يقول:
متى أرى سماءك الزرقاء؟
تنبض باللهفة والحنين
متى أرى دجلة في الخريف؟
ملتهباً حزين
تهجره الطيور
وأنت، يا مدينة النخيل والبكاء
ساقية خضراء
تدور في حديقة الأصيل
ويتملك الشاعر الشوق، فيحلم بالعودة لتلك الديار، ويمني النفس بساعة تعانق فيها عيناه جمال بغداد ودجلة، وما تحفل به من حيوات، تقلب فيها الشاعر قبل الفراق:
متى أرى شارعك الطويل؟
تغسله الأمطار
في عتمة النهار
وأعين الصغار
تشرق بالطيبة والصفاء
وهم ينامون على الرصيف
متى أرى شعبي!! يا مدينة النجوم
والشمس والأطفال والكروم
وهو يسد الأفق بالرايات
ويصنع الثروات
ياطفلة عذراء، يا مصارع الطغاة
وموطن العذاب والعراة
يقدم البياتي من خلال تلك المناجاة التي تفيض شوقاً، صوراً متعددة لمدينة بغداد، خاصة شارعها الطويل، والحياة على جانبيه، ويتذكر الشاعر من خلال تلك الصور شعبه، ووطنه الفتي القوي.
وفي ختام تلك القصيدة لا ينسى أن يذكر لما هو بعيد منفي عن محبوبته بغداد، فهو وحيد وشريد من أجلها، يحلم باليوم الذي يطالع فيها سماء العراق التي يصفها بمقبرة الأعداء.
يا وطني البعيد
لأجل عينيك أنا شريد
لأجل عينيك أنا وحيد
في هذه الدوامة السوداء
في هذه الأنواء
متى أرى سماءك الزرقاء
ووجهك الصامد، يا مقبرة الأعداء



Viewing all articles
Browse latest Browse all 18117

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>