يقرر كاتب روائي أن يلجأ إلى مكان مختلف عن مكان سكناه كي يكتب رواية جيدة، وفي إطار ممارسة هذا الطقس الكتابي الخاص به، يفاجأ بمجموعة أحداث غرائبية، تجعله يغير برنامجه ويكتب عن شكل روائي جديد، وفانتازيا تجمع بين الرعب المتخيل، والواقعية المألوفة والمعروفة في الحارة المصرية.
هكذا كتب الروائي الشاب عمرو عزالدين روايته «رائحة منتصف الليل» التي صدرت في طبعتها الأولى سنة 2014 عن دار الحياة للنشر والتوزيع، وصنفت بأنها من سلسلة روايات الرعب، لكنها في الحقيقة قدمت استثناء في إطار ذلك التصنيف النمطي، إذ إنها جمعت بين الرعب، وبين الغوص في تفاصيل اليومي بطريقة سردية أعطت للرواية زخماً كبيراً في مواقع مراجعات الكتب، وأفرزت بالتالي تعليقات كثيرة عليها، ما بين مثنٍ على أسلوبها وغرائبيتها، وطريقة تشويقها وإثارتها، وما بين منتقدٍ لبعض التفاصيل التقنية السردية الخاصة بها، كالإفراط في استخدام العامية أحياناً بدلاً من اللغة الفصحى.
يقول أحد القراء عن الرواية مركزاً على محاولة إعطاء حكم شامل، يبين سلبياتها وإيجابياتها من وجهة نظره: (القصة جيدة، وجديدة في فكرتها، وأكثر ما نجح فيه الكاتب هو السرد بالإيحاء، تستشعر الرعب ولا تصطدم به في وجهك، وكأنك تقرأ قصة للأطفال، لم يكن هناك جيش من الأرواح والأشباح ولا عيون مخلوعة تقطر دماً، ولا مخلوقات تنزف سوائل خضراء).
ثم يضيف القارئ مبيناً مآخذه على الرواية قائلاً: «اللغة لم تكن جيدة بالقدر الكافي، فلا عاميتها كانت موفقة، ولا الفصحى منها كانت جيدة، وقد طالت الأحداث حتى ضمت كثيراً من المواقف خارج سياق الموضوع، ما أسفر عن حالة تشتت وملل أثناء القراءة».
قارئة تتحدث عن تركيزها بدورها في بداية مراجعتها للرواية على النقاط السلبية في الرواية، لكنها فجأة اكتشفت أثناء قراءتها أشياء غيرت نظرتها تماماً للرواية، وعبرت عن ذلك قائلة: «في بداية الرواية كان في نيتي أن أكتب عن النقاط السلبية أكثر من الإيجابية، فهكذا بدت لي الرواية عندئذٍ، لكن الكاتب صدمني بالنهاية، حيث تبين من خلالها أن كل ما سبق من أحداث كانت مجرد حلم لرجل داخلٍ في غيبوبة!»، ثم تتحدث القارئة عن طريقة النهاية في الرواية وكيف أنها صنعت غموضاً آسراً وشائقاً للقارئ، فتقول: «قرأت النهاية ثلاث مرات، وفي كل مرة أفهم شيئاً مختلفاً، ففي الأولى فهمت أن الرجل - البطل دخل الغيبوبة من جديد، وفي المرة الثانية فهمت أنه مات لأنه رأى نفسه فوق عربية الكارو، وفي الثالثة قلت في نفسي إذا كان الرجل مات في الحقيقة لا نقطع الحلم عنه، واستنتجت بالتالي أنه لم يمت إلا في الحلم».
ويقرر أحد القراء أن الكاتب ولج باقتدار من خلال سرده إلى منطقة لم يلجها الكثيرون في عالم الرواية بنفس الجودة في الوصف، وهي المنطقة الفاصلة بين الموت والحياة، فيقول: «لقد اقتحم الكاتب باقتدار وتحكم سردي جيد عالم ما بين الحياة والموت، ذلك العالم الذي لا أعتقد أن كاتباً عربياً استطاع تصويره بطريقة أفضل مما فعل الروائي عمرو عزالدين في روايته هذه».
الشارقة: محمدو لحبيب