لم تكرم أمريكا امرأة أكثر مما كرمت روزا باركس، لكن هذا التكريم لم يأت من فراغ، ولم يكن سوى ردة فعل تطهرية، إن صحت التسمية من فعل العنصرية الذي مورس على السيدة روزا باركس وعلى ملايين السود في الجنوب الأمريكي وفي كل مناطق الولايات المتحدة الأمريكية.
اشتهرت السيدة باركس بأنها المرأة التي قالت: لا، لقانون الفصل الجائر الذي استحدثته سلطات ولاية آلاباما في بدايات القرن العشرين، والذي يقضي بإعطاء الأولوية للركاب البيض على غيرهم من السود في الحافلات العامة، بحيث أن السود يركبون في المقاعد الوسطى أو الخلفية، ويلزمون بالوقوف عن أماكنهم لصالح أي راكب أبيض لم يجد مكاناً في الصفوف الأمامية للحافلات.
وذات مساء من عام 1955، قررت روزا أن تتحدى كل ذلك الصلف وتلك العنصرية المقيتة، حين استقلت الحافلة العامة في مدينتها مونتغمري، وبعد أن دفعت أجرتها، جلست في أحد المقاعد الخلفية المخصصة للسود، وكان مقعدها أول مقعد بعد المقاعد المخصصة للبيض، وفي البداية سارت الأمور بشكل اعتيادي حتى امتلأت المقاعد المخصصة للبيض، ومن ثم وجدت روزا نفسها أمام ركاب بيض يطالبونها هي واثنين أو ثلاثة معها من السود بإخلاء مقاعدهم لهم تنفيذاً للقانون، وهنا قررت روزا باركس أن تدخل التاريخ بقولها لا لذلك القانون، ورفضت أن تقوم من مكانها، معرضة نفسها لتبعات ذلك، حيث أَخذت إلى الشرطة وتمت محاكمتها، لكنها أطلقت بالمقابل الشرارة الأولى لحركة تحرير السود من براثن ثقافة العنصرية السائدة آنذاك في أمريكا، فكان رد الفعل المباشر على اعتقالها هو إطلاق إضراب 381 يوماً، والذي تجسد في مقاطعة الباصات من طرف السود، وكان يقوده آنذاك الشاب الذي سيصبح أيقونة في ما بعد في حركة الحقوق المدنية الأمريكية مارتن لوثر كينج.
شكلت روزا باركس في الوعي الجمعي الأمريكي نموذجاً في مقاومة الطغيان وثقافة الإقصاء والتمييز العنصري، مما جعلها كما أسلفنا تحظى بتكريم لم يسبقها إليه إلا نزر يسير يعد على أصابع اليدين، حيث دفنت في مباني الكونغرس الأمريكي «الكابيتول».
محمدو لحبيب