دشنت الرواية الإماراتية في ألفيتها الجديدة تطوراً ملحوظاً في منطقة الخليج، بظهور أسماء جديدة كتبت الواقع المعاش ورصدت التغيرات التي جابهت إنسان اليوم من الناحية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، وهي بهذا المعنى، رواية عصرية، كرست حضورها بالاستناد إلى تجارب الرواد، كما استفادت من إيجابيات التراث، وتعاملت مع المنجزين العربي والعالمي بروح منفتحة، وكانت إلى حد كبير رواية تحمل شيئاً من البوح والمكاشفة، وتقف على تماس مع قضايا ومشكلات الراهن وتحاكيه بروح إيجابية وفنية.
كانت «شاهندة» 1971 الرواية الرائدة لراشد عبد الله النعيمي التي أعلنت انشغالها بالواقع الاجتماعي، وهذا الانشغال سيصبح إحدى ركائز الروايات اللاحقة، وإذا كانت «عنق يبحث عن عقد» لعبد الله الناوري 1978 رواية بوليسية قد خرجت من إطار الهم الاجتماعي بسبب موضوعها البوليسي الصرف، فقد توالت الروايات الاجتماعية، بصدور روايات علي أبو الريش «الاعتراف» 1982، و«السيف والزهرة» و«رماد الدم» و«نافذة الجنون» و«تل الصنم» و«ثنائية الروح والحجر»، و«التمثال».
هذا الزخم الروائي شارك فيه محمد عبيد غباش ب «دائماً يحدث في الليل» 1985، وتتوالى الأعمال راصدة الواقع الإماراتي بصدور «عندما تستيقظ الأشجان» لعلي راشد و«الديزل» لثاني السويدي و«رائحة الزنجبيل» لصالحة غابش و«طروس إلى مولاي السلطان» لسارة الجروان.
فيما بعد، بدأ النقاد ينشغلون بالرواية الإماراتية ويصنفونها تحت مسميات الرواية التاريخية، والرواية التي تحاكي أو تتقاطع مع الواقع الاجتماعي كما في بعض أعمال أبو الريش و«دائماً يحدث في الليل» و«ريحانة» لميسون صقر، ثم يأتي هم المرأة أو قضية المرأة التي أخذت حيزاً من الأعمال الإبداعية «شجن بنت القدر» 1992 لسارة الجروان، و«ملائكة وشياطين» لباسمة يونس و«الجسد الراحل» لأسماء الزرعوني و«حلم كزرقة البحر» لأمنيات سالم و«تثاؤب الأنامل» لرحاب الكيلاني.
على أعتاب الألفية الجديدة، بدأت الرواية تحرز نوعاً من النضج الفني مستفيدة من المنجز وما طرأ على صعيد المجتمع الإماراتي من انفتاح ثقافي أحدث حواراً وتواصلاً بين الكتاب المحليين وزملائهم في الساحتين الخليجية والعربية، وبسبب انفتاح الكتاب أنفسهم على الرواية الأجنبية بفعل نشاط حركة الترجمة، وغيرها من المحفزات التي قدمت مساراً مختلفاً حتى في الأنواع السردية الأخرى كالقصة والشعر، فبرزت روايات مثل: «سيح المهب» لناصر جبران وأعمال إبراهيم مبارك وناصر الظاهري، مروراً بخولة السويدي ونادية نجار، وفتحية النمر، فاطمة المزروعي، وريم الكمالي، وغيرهم.
وقد شكلت هذه الطفرة حافزاً لدى النقاد ومنهم د. صالح هويدي الذي أكد أن الرواية في الإمارات تتبوأ مكانة مهمة في الرواية الخليجية، من حيث التنوع والجرأة والتقنيات الحديثة، وبات من المؤكد أن هذه الأعمال باتت على تماس مع الهموم الاجتماعية كما بدأت تؤرخ لتحولات المكان والزمان، وأنه رغم حداثتها النسبية مقارنة بمحيطها العربي فلا يمكن عزلها عن هذا المحيط، فصار التأثر بهذا المنجز وارداً لجهة البحث عن تكنيك جديد دفع هذه الرواية خطوات واثقة إلى الأمام.
إن نسبة كبيرة ممن يكتب الرواية في الإمارات هن من النساء الكاتبات، وهو موضوع لافت استرعى اهتمام النقاد أكثر، ومنهم عزت عمر الذي رأى أن الرواية عكست نمطين من الصراع، الأول هو علاقة المرأة بالمجتمع، ومن جهة ثانية، الاشتغال على الذات الأنثوية، وبالنسبة للاشتغال على الذات الأنثوية، يؤكد عمر أنّ ذلك أدى إلى تفتح هذه الذات جمالياً ومعرفياً، وفي الحقيقة وُجدت روايات رائعة وجميلة، مثل «طروس إلى مولاي السلطان» لسارة الجروان، ورواية «رائحة الزنجبيل» لصالحة غابش، «التي تناولت العلاقات الاجتماعية الجديدة في ظل الأوضاع الراهنة، وحضور المرأة كسيدة أعمال، وأثر ذلك في نفسيتها، ثم رغبتها في العودة إلى الماضي، أو إلى مكان الولادة، خلاصاً من أعباء كثيرة فرضتها الحداثة»، مروراً بنماذج روائية نسائية تدور في هذا الإطار مثل «شجن بنت القدر الحزين» وأيضاً «أوجه من مرايا»، و«ملائكة وشياطين» لباسمة يونس.
لا أحد يشك، في أن الرواية كبناء فني واع، هي هيكل صعب، يحتاج إلى تشييد معماره بحرفية عالية، ومع ذلك يظل للرواية سحرها الخاص، ويظل لها كتابها، وهم فئة مغامرة قادرة على الاشتباك مع ما هو ذاتي وخارجي، وهذا الإصرار الذي يبدو وارداً بقوة في الأفق الإماراتي، يجعل مثل هذه التجربة تستحق الإشادة، فالرواية لا تنبت من فراغ، ومن المؤكد أنها رواية تجد لها فرسانها، وهي محفوفة بالتجربة الخاصة التي تجعلها مشروعاً مملوءاً بالوعد والإبداع الخصب.