ربما سهلت وسائل التواصل الاجتماعي نشر الأخبار، وتسريع تداولها بين الناس وفتحت بوابات الإعلام على مصراعيها كي تتحول إلى أداة جماهيرية، بعد أن ظلت لفترة طويلة محجوبة عنهم وحكراً على المؤسسات والرأي المقنن، لكنها بالمقابل لم تخدم الساحة الأدبية والثقافية كما يجب، ولم تُثرِ الحوار بين الأدباء كما نريد ونتمنى، فلا تزال أبواقها صامتة عن نقاشاتهم المفيدة ولا تزال الأجيال متباعدة فكرياً.
ويتضح عجز هذه الوسائل عن خلق حوارات ثقافية مفيدة، بعدم إتاحتها منصات متخصصة قادرة على احتواء أعمال الأدباء والكتاب الشباب وتقديمها ليقرأها الكبار ويراجعوها بأقلامهم مستهدفين تزويد الشباب بالثقة و الخبرات اللازمة للحضور الثقافي عبر التعريف بجهودهم أو إبداعاتهم إن كانت تستحق ذلك، ويطغى بالمقابل الحضور الشخصي المنفرد والمتجاهل للإبداعات الأخرى والمبدعين خصوصاً من الشباب.
ويظهر تقصير هذه الوسائل واضحاً في عدم وجود مساحات مخصصة لحضور الكتاب الكبار من ذوي الخبرة، لقراءة أعمال الشباب والتعليق عليها، فلا يمكن وصف شعور الكاتب الشاب حينما يعلم بأن كاتباً آخر قد قرأه واهتم بالتعليق على كتاباته يوماً ما. إن تجربة الفرح التي عشتها عند عثوري بالصدفة على مقال من مجموع مقالات الراحل أنيس منصور المنشورة في كتاب «من أجل عينيها» الصادر في طبعته الثانية من منشورات دار نهضة مصر عام 2011 وعنوانه «التعبير بالنقط» لا يمكن نسيانها أو التغاضي عن مدى تأثيرها في نفسي، فمجرد ذكر الكاتب الراحل مجموعتي القصصية «هجير» الصادرة عام 1992 في كتابه ووصفه قصص المجموعة بالجداريات وتشبيهها بلوحات مثل لوحات مدرسة التعبير بالنقطة في الفن التشكيلي، لعب دوراً مهماً في استشعاري أهمية قيام كاتب كبير ومهم مثل «أنيس منصور» بمنح كاتبة شابة جزءاً من وقته ليقرأ ما جاد عليها به الخيال ويهتم بما كتبته ويعلّق عليه.
والشعور نفسه كان قد وصفه الصحفي المعروف «اسكندر حبش» في جريدة «السفير» في مقدمة كتابه الذي يتضمن مجموعة من الحوارات وعنوانه «القراءة والنسيان، الخروج من مدن الملح» أثناء روايته قصة الإعداد لإجراء الحوارات و رحلته لأول لقاء جمعه بالأديب عبدالرحمن منيف في مستقره الأخير في دمشق عام 1991. فلم يكن «حبش» يتخيل عندما قدّم نفسه للراحل منيف عبر الهاتف رد الأخير بأنه يقرأ مقالاته ولم يتوقع أن يخجله الأمر بأن يقدم كاتب مهم مثل «منيف» على قراءة صحفي شاب لايزال في بداية عهده بالكتابة ويخطو خطواته الصحفية الأولى.
لقد فتحت وسائل التواصل الاجتماعي أبواب التعارف والمحادثات العامة، لكنها لم توثق الروابط بين الأدباء والمبدعين من كل الأجيال ولايمكن اعتبارها من ضمن أهم المساحات الثقافية ما دامت لم تروج لتواصلهم ولم تردم الفجوات الفكرية بينهم إلى اليوم.
باسمة يونس
basema.younes@gmail.com
ويتضح عجز هذه الوسائل عن خلق حوارات ثقافية مفيدة، بعدم إتاحتها منصات متخصصة قادرة على احتواء أعمال الأدباء والكتاب الشباب وتقديمها ليقرأها الكبار ويراجعوها بأقلامهم مستهدفين تزويد الشباب بالثقة و الخبرات اللازمة للحضور الثقافي عبر التعريف بجهودهم أو إبداعاتهم إن كانت تستحق ذلك، ويطغى بالمقابل الحضور الشخصي المنفرد والمتجاهل للإبداعات الأخرى والمبدعين خصوصاً من الشباب.
ويظهر تقصير هذه الوسائل واضحاً في عدم وجود مساحات مخصصة لحضور الكتاب الكبار من ذوي الخبرة، لقراءة أعمال الشباب والتعليق عليها، فلا يمكن وصف شعور الكاتب الشاب حينما يعلم بأن كاتباً آخر قد قرأه واهتم بالتعليق على كتاباته يوماً ما. إن تجربة الفرح التي عشتها عند عثوري بالصدفة على مقال من مجموع مقالات الراحل أنيس منصور المنشورة في كتاب «من أجل عينيها» الصادر في طبعته الثانية من منشورات دار نهضة مصر عام 2011 وعنوانه «التعبير بالنقط» لا يمكن نسيانها أو التغاضي عن مدى تأثيرها في نفسي، فمجرد ذكر الكاتب الراحل مجموعتي القصصية «هجير» الصادرة عام 1992 في كتابه ووصفه قصص المجموعة بالجداريات وتشبيهها بلوحات مثل لوحات مدرسة التعبير بالنقطة في الفن التشكيلي، لعب دوراً مهماً في استشعاري أهمية قيام كاتب كبير ومهم مثل «أنيس منصور» بمنح كاتبة شابة جزءاً من وقته ليقرأ ما جاد عليها به الخيال ويهتم بما كتبته ويعلّق عليه.
والشعور نفسه كان قد وصفه الصحفي المعروف «اسكندر حبش» في جريدة «السفير» في مقدمة كتابه الذي يتضمن مجموعة من الحوارات وعنوانه «القراءة والنسيان، الخروج من مدن الملح» أثناء روايته قصة الإعداد لإجراء الحوارات و رحلته لأول لقاء جمعه بالأديب عبدالرحمن منيف في مستقره الأخير في دمشق عام 1991. فلم يكن «حبش» يتخيل عندما قدّم نفسه للراحل منيف عبر الهاتف رد الأخير بأنه يقرأ مقالاته ولم يتوقع أن يخجله الأمر بأن يقدم كاتب مهم مثل «منيف» على قراءة صحفي شاب لايزال في بداية عهده بالكتابة ويخطو خطواته الصحفية الأولى.
لقد فتحت وسائل التواصل الاجتماعي أبواب التعارف والمحادثات العامة، لكنها لم توثق الروابط بين الأدباء والمبدعين من كل الأجيال ولايمكن اعتبارها من ضمن أهم المساحات الثقافية ما دامت لم تروج لتواصلهم ولم تردم الفجوات الفكرية بينهم إلى اليوم.
باسمة يونس
basema.younes@gmail.com