الفن.. مفهوم جدلي عصي على التعريف

القاهرة: «الخليج»
يحاول د. سعيد توفيق، في دراسته الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بعنوان «الفن تمثيلاً» تقديم رؤية عامة لماهية الفن من خلال مفهوم واحد، هو مفهوم التمثيل، والدراسة بهذا الاعتبار تثير قضية تقليدية جداً، وهي قضية تعريف الفن ذاته، هذه القضية في حد ذاتها تمثل مشكلة كبيرة في تاريخ الفكر الجمالي، ولا تزال مثار جدل، ولذلك فإننا نجد عبر تاريخ الفكر الجمالي تصورات عديدة للفن تحاول الاستحواذ على ماهيته، منها التصور الأخلاقي للفن الذي يربط بين مفهومي الفن والجمال من جهة ومفهوم الفضيلة أو الخير من جهة أخرى، وهو التصور الذي يمكن أن نلتمس جذوره عند فلاسفة اليونان، خاصة في نظرية التطهر الشهيرة، ويتردد صداه عند بعض المحدثين من أمثال تولستوي، ومنها تصور الفن باعتباره تعبيراً حدسياً تخيلياً، أي يحدث على مستوى الرؤية التخيلية، الذي نجده عند شوبنهاور وكروتشه وغيرهما، ومنها التصور الشكلاني للفن الذي يرى أن الفن صورة خالصة ذات دلالة بذاتها يتم التعبير عنها من خلال التلاعب بالمادة الحسية أو الوسائط الفنية، وهو التصور الذي التمس أنصاره جذوره في أفكار كانط عن الفن الذي رأى الفن على أنه غائية بلا غاية، أي أن الفن نشاط أو إبداع يوحي بالغاية لكنه نشاط تلقائي حر غير مقيد بغاية محددة، حتى إنه نظر إلى الفنون التشكيلية على أنها تلاعب بالإحساسات.
ربما لهذا السبب- كما يقول سعيد توفيق- ينظر إلى فلسفة الفن عند كانط باعتبارها مصدر النظرية الشكلانية ونظرية اللعب في الوقت نفسه، ومنها تصور الفن باعتباره تمثيلاً لحقيقة شيء ما، وهو تصور يتقاطع مع التصور الأخلاقي لدى بعض فلاسفة اليونان من أمثال أفلاطون وأرسطو، ومع تصور شوبنهاور للفن بوصفه رؤية حدسية، لأنها رؤية تهدف في النهاية إلى تمثل حقيقة الشيء أو ماهيته، لكنه يبلغ عمقه وتفرده مع هيدجر الذي رأى أن ماهية الفن لا تكمن في الجمال وإنما في الحقيقة التي يصورها لأن الجمال هو أحد الأساليب التي بها تحدث الحقيقة في الفن.
ويرى توفيق أن قضية تعريف الفن ومدى إمكانية الوصول إلى تصور عام لماهيته ليست هي الإشكالية الوحيدة التي تواجهنا، وإنما هي إشكالية تستدعي إشكاليات أخرى مرتبطة بها، فالبحث الذي يتطلع إلى اختزال ماهية الفن في مفهوم أو تصور واحد، هو بحث يسعى إلى القضاء على تنوع وثراء الظاهرة الفنية نفسها التي لا يمكن استيعابها من خلال مفهوم واحد.