تاريخ العقل النسوي

وصف المجتمع العربي بالعديد من الأوصاف، لكن من بين أكثر الصفات دلالة في الحديث عن المرأة، وصفه بالمجتمع الذكوري، وهي صفة أطلقت من قبل المفكرين، لوصف حال المجتمع الذي تسيطر عليه العقلية الذكورية، أو يسيطر عليه الرجال، وهي صفة لا تقتصر على المجتمعات العربية أو التقليدية، بل كما تقول «شولا أزول» فإن المجتمع الإنساني بأشمله هو مجتمع ذكوري، والسؤال هنا ماذا يعني كون المجتمع ذكورياً بالنسبة لقضايا النساء؟ كما يطرح د. ماهر عبدالعال الضبع في كتابه «المرأة في مصر» وهو يعترف بأن الإجابات المطلقة على مثل هذا النوع من الأسئلة تفضي إلى نوع من الغموض أكثر من قدرته، على استجلاء الحقيقة، دون التشكيك في أهمية التنظير في قيادة الفكر لخوض فضاءات جديدة من الوعي وطرح مزيد من الأسئلة وتحديد الأطر التي تتحرك فيها الإجابات عن تلك الأسئلة، مع الاعتراف بكل ذلك، يبقى التنظير وحده قاصراً على تقديم إجابات مقنعة لما يدور في الذهن من تساؤلات، وهنا تطفو على السطح مقولة رايت ميلز: «أصحاب المقاعد الوثيرة» وفكرته عن النظرية المتضخمة.
الإجابة عن السؤال السابق تمثل محور اهتمام هذا الكتاب الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ومع ذلك لا يعد هذا الكتاب بتقديم إجابات قاطعة حول أسئلة العقل النسوي في مواجهة العقل الذكوري، لكنه يعد بتقديم صورة واضحة مرتكنة على المشاهدات العلمية للإطار الذي تتحرك فيه النساء في مجتمع يسيطر فيه الذكر على مجريات الأمور، ويمكن أن يطرح السؤال بطريقة أخرى: ما الآليات الفاعلة في تشكيل العقل النسوي في المجتمع المصري عبر هذا التاريخ الطويل؟، يقول المؤلف: «طرح السؤال هنا يعد بمثابة الإطار الذي سنتحرك خلاله في محاولتنا تلك التي تهدف إلى استجلاء ما يمكن أن يطلق عليه الفواعل المسؤولة عن صياغة العقل، وهي فواعل دون شك ستمتد بجذورها إلى الماضي، وما يهمنا هنا ليس الماضي البعيد، بقدر ما سيكون التركيز على الماضي القريب، بدءاً مما يمكن أن نطلق عليه بذور النسوية الحديثة في مصر».
يشير المؤلف إلى أنه ما بين نبوية موسى وهدى شعراوي وملك حفني ناصف وبين نوال السعداوي وما بين ثورة 1919 وثورة العولمة، تاريخ طويل مر به العقل النسوي في مصر، وما بين التاريخين اختلاف كبير في طبيعة البناء الاجتماعي الذي يفعل فيه هذا العقل، ومع ذلك نكاد نشعر بأن ثمة استمرارية لبعض القضايا، بشكل يدعو للدهشة، ويحيلنا بدوره إلى طرح مزيد من التساؤلات.