ربما يرى البعض أن الكتابة بلغة رمزية هي وسيلة الكاتب أو المثقف لمواجهة السائد، وتماهياً مع هذه الفرضية ثمة استنتاج تاريخي مفاده: أننا اليوم لم نعد في عصر رمزية الكلمة، لأن تلك أمة قد خلت منذ ستينات القرن الماضي، وأن الطفرة الهائلة التي تجسدت في عصرنا في مجال الاتصالات، ألقت بظلالها العميقة على مسألة التعبير والتواصل، ومنحتها فضاءً غير مسبوق من الحرية والوصول مباشرة ودون حواجز إلى كل المتلقين المستهدفين.
ربما يبدو ذلك الطرح متماسكاً مفاهيمياً خصوصاً أنه مبني على سؤال مهم هو الحاجة إلى الكتابة بالرمز، وهل هي فقط للتعبير عن ما لا يمكن أن يقال مباشرة؟، لكن ماذا إذا كانت الكتابة بالرمز هي وسيلة لإدراك الجمال وصنع شيء مختلف عن المألوف والخروج من حدوده المعروفة؟، ماذا لو كان الكاتب الذي يلجأ للرمز في التعبير يريد أن ينشئ منظومته الخاصة بعيداً عن ما يسميه رولان بارت «سلطة اللغة»؟
لن يماري أحد بأن من حق الكاتب أن يختار لغته الخاصة به حين يكتب، ومفرداتها وأسلوبها في التعبير، لن يفعل أحد ذلك إلاّ إذا كان يعتبر أن الكاتب هو في الأول والأخير موظف عند قارئه عليه أن يكتب له ما يفهمه وما يرضيه.
لقد رسم رولان بارت في أول درس له في الكوليج دي فرانس، حين منحوه كرسي «السيميولوجيا»، الحدود التي يمكن للمثقف عندها أن يتخلص من «سلطة اللغة»، ويخرج من أحد تصنيفين هما: أن يغدو عنصراً من الثقافة الرسمية، أو أن يكون كاتباً لما ينتظر منه ولما تفرضه الموضة السائدة والمستهلكة من قبل الجمهور.
من الواضح أن ثمة تأسيساً منهجياً ونقدياً لإمكانية الخروج عن النص في مسألة اختيار اللغة، وهذا قد يعطي مصداقية ما لمن يحاجون في مسألة اختيار اللغة الرمزية كطريقة للكتابة، لكن ثمة اعتراض منهجي هو الآخر يتمثل في طرف المعادلة الآخر، وثمة سؤال قديم متجدد يفرض نفسه باستمرار على المشتغلين بالكتابة: لماذا تكتبون؟ هل يعقل حقاً أن يلجأ الكاتب إلى الكتابة لأنه فقط يريد أن يعبر عن نفسه؟ لو صح هذا فقد يكون مبرراً التحدث عن الخروج عن المألوف كنوع من الحرية الشخصية للكاتب في تعبيره، لكن الواقع الذي يحكم علاقة الكتابة منذ وجودها في تاريخ الإنسان لأول مرة وحتى الآن، أنها موجهة لقارئ بعينه «مجموعة كان أو أفراداً»، وأنها لن تكون شيئاً يستحق الذكر كموجود ما لم تستقبل من طرف أولئك القراء، ومن هنا فإن الكتابة الرمزية هي في أحسن الأحوال ممارسة شخصية قد لا تستوفي معنى الكتابة والهدف الإنساني منها عند البعض.
pechike@gmail.com