قدم الفنانون المشاركون في مهرجان الفنون الإسلامية في دورته الجديدة، تجارب متنوعة عكست الفن الإسلامي كقيمة ومفهوم، وقد كان للنماذج المقدمة دورها في إثراء التجربة من خلال فنون العمارة والزخرفة المعمارية، والنحت، والحفر على الخشب، وزخرفة الخزف، وفنون الزجاج والبلور، وكذلك زخرفة النسيج، وهذا الأخير بدا واضحاً في أعمال مجموعة من فناني العالم، وهو الذي عكس روحية الفن الإسلامي من خلال تقنيات وتصميمات على درجة عالية من الحرفية، وبأساليب رائعة المظهر والتكوين.
النسيج في الفن الإسلامي، تجاوز الصنعة والحرفة والتزيين، إلى مفهوم أكثر شمولية عكس البعد الحضاري للإسلام، عبر تقنيات مختلفة واستخدامات عدة من القماش والألياف والخطوط وهو ما بدا واضحاً في تجارب الفنانين.
رومينا خانوم من المملكة المتحدة، قدمت عملاً بعنوان (بدون عنوان) تقترح من خلاله متاهة من السجاد المعلق، حيث عرضت تشكيلات معقدة طرحت من خلالها ما تعتقد أنه يشكل تحدياً لمفاهيم التقليدية وأيضاً المعاصرة الخاصة بالهوية والانتماء.
في هذا العمل، تحاكي رومينا عنصرين رئيسيين الأول: العمارة الإسلامية والثاني فنون جنوب آسيا، ولكونها تعيش في بريطانيا، فإن ذلك جعلها تقترح مفهوماً جمالياً تفاعلياً، يوازن بين هاتين الثقافتين (الغربية والإسلامية)، حيث ترى العالم من زاوية خاصة، وساعدها على ذلك استخدامها للمواد الداخلة في نسيج هذا العمل، الذي يسحر المشاهد بظلال وانعكاسات تجسد في نهاية المطاف روح الفن الإسلامي.
وأكثر من ذلك، فقد كان لتداخل عناصر الإضاءة والظلال على السطح المنسوج، دوره في عكس مفهوم الزخرفة الإسلامية عند رومينا، التي بدت في مشاركتها هذه معنية بنقل تراثها الإسلامي في جنوب آسيا، ليأخذ حيزاً من التفاعل جنباً إلى جنب مع الفنون العالمية، وهي تعتمد بشكل رئيس على توظيف الهندسة المعمارية الإسلامية للتعبير عن أفكارها وتوجهاتها.
في معرض «غرزة» للأسترالية ناتالي فيشر، نجد أنفسنا أمام تشكيلات زخرفية وأشكال هندسية ثنائية وثلاثية، ومادة هذا التشكيل هو حرفة «التطريز» المستوحى من المغرب، وناتالي في عملها متأثرة بأسلوبين تراثيين متجاورين هما: التطريز اليدوي و«الزليج»، والزليج فن عريق بالمغرب والجزائر، يرجع إلى القرن العاشر الميلادي، ورثه أهل المغرب العربي عن الموريسكيين القادمين من الأندلس بعد سقوطها، وهو يحتوي على أشكال هندسية وتشكيلات من الخط العربي.
في هذا العمل الذي يتسم بالتعقيد، تحاول ناتالي تجسيد البلاط التراثي القديم، وهي تفاجئ المشاهد بجماليات التصميم حيث الزخرفة المتكررة، وتلك الاحتمالات المفتوحة على قراءات عقلية وحسية، تعكس الفن الإسلامي وفضاءاته المفتوحة على آفاق لا حدود لها.
تسعى فيشر دائماً إلى إثبات أن أعمال التطريز، يمكن أن تكون معاصرة وجريئة، وهي تستخدم الصوف كما لو أنه طلاء يطبق على القماش، من دون تخطيط مسبق.
باستخدام قماش غربي المنشأ، وباستلهام التراث الأصيل في ماليزيا، وتحديداً تقنية حرفة النسيج من مواد تقليدية، يقدم الفنان الماليزي سليمان عيسى عملاً بعنوان «رجاء» وهو يشكل سطحاً مبتكراً، فيه سماكة واضحة على شكل طيات من الورق، التي تبرز كما لو أنها منسوجة نسجاً بحرفية واضحة، وهو لا يكتفي بذلك، بل يضيف بعداً آخر للسطح باستخدام خيوط منسوجة، وشرائط خيزران البامبو، لكي يوحي بنوع من الانسجام والتناغم الشكلي.. في هذا العمل تقع عين المشاهد على أنماط هندسية ديناميكية، منمقة بتصميمات «الماندالا»، ومن هذه الأنماط ذلك التركيب الذي يطلق عليه سليمان «جنة النعيم» الذي يعكس مفهوم الوحدة في التنوع، وكما هو في «حديقة الغموض» التي تعكس العناصر التصميمية في سجادة الصلاة.
هنا، يلعب المقدس أو الروحي، دوره في التأكيد على مفهوم الفنون الإسلامية، حيث يعمد سليمان إلى دمج عالمي (الفنون الحرفية بالفنون الجميلة) لتأكيد القناعة بعدم إمكانية الفصل بين العالمين، على غير ما يتبدى في الفهم الغربي للفنون.
وسليمان معروف باستلهام الفنون الماليزية التقليدية، ومنحها طابعاً أصيلاً، بعد أن كانت لسنوات تعتمد في توجهاتها على التقليد الغربي.
«المسجد الطائر» هو عمل يجسد مفهوم الأثر الإسلامي ضمن فكرة النسيج، وهو للفنانين المعماريين الأمريكي تشوي والبريطانية شاين، حيث قدما في عملهما مجموعة من الأشكال المخرمة، الهادئة والبسيطة، على هيئة أشكال نحتية معلقة منفذة بمادة البوليستر، كما أضفيا مسحة لونية منسقة بحرفية عالية.
يضع الفنانان المشاهد أمام عمل مبهر، حيث تتعاكس فيه توهجات الضوء في سماء ليلية على منظر طبيعي، يخلق شعوراً بالمفاجأة والسحر، واللافت في «المسجد الطائر» هو قابليته للحركة سواء بفعل الرياح التي تؤثر في المنحوتة، أو من خلال يد المشاهد، ويمكن لعناصره المعلقة أن تتأرجح كذلك، كما يعكس ظله إحساساً بالطيران، ومثل هذه المشهدية العالية، تعكس وهم التحليق الأثيري في الفضاء، وتفيد في استيحاء المفهوم الإسلامي.
الشارقة: عثمان حسن