علاء الدين محمود
حياة المبدع دائماً شديدة التعقيد، فإحساسه بالأشياء والوقائع يبدو مختلفاً تماماً، وعلى مقربة من الإصابة بالجنون التام، وضعت فرجينيا وولف الكاتبة والأديبة الإنجليزية حداً لحياتها، فهذا «الجنون»، أكثر قسوة من الموت، ولعلها نهاية تشبه وولف التي احتفل بها محرك البحث «جوجل» أمس، تشبهها لكونها شديدة الحساسية، ولكونها عملت في كل مشروعها الأدبي على هز الضمير الإنساني ومخاطبته، وهذه الحساسية التي اتصفت بها وبرزت في أعمالها الأدبية، قادتها نحو الاكتئاب، ثم الانتحار في نهر «أوز».
ولأنه من الضروري أن يأتي الفن حاملاً هماً ومنتجاً معنى، فقد كانت المحبة، ونشر السلام، ويقظة الضمير الإنساني، من أهم ملامح تلك الرسالة التي حملتها وولف، وعلى الرغم من أن السعادة لم تطرق بابها كثيراً، إلا في لحظات عابرة، فإن أعمالها الروائية حضت على المحبة بين الناس، وربما كان لتكوينها العرقي أثراً في سعيها لتجسير المسافات بين الإنسانية، فهي إنجليزية من أم ذات أصول هندية، يلتقي عندها الغرب بالشرق، لتحمل روايتها ظلال هذا اللقاء الجميل، ومن المدهش أن تجارب الكتابة الروائية الباكرة عند وولف، لم تتقيد كثيراً بشروط الرواية، بل جاءت كدفقات شعورية تعبر عن النفس الإنسانية وتجارب البشر، مركزة على المشاعر، والأحاسيس، والرمز، والصورة، واللغة الشعرية، وهذه الأعمال أسست لمشروع أدبي عرف بـ«تيار الوعي»، الذي كان لها الفضل في تأسيسه، كما أنها لم تتلق تعليماً نظامياً، بل ثقفت نفسها من خلال مكتبة والدها، وصارت من أبرز الوجوه الروائية إلى حد أن أطلق النقاد عليها صفة «صاحبة الروايات اللامعة»، ومن أشهر تلك الروايات: «الخروج للنزهة»، «النهار والليل»، «غرفة يعقوب»، «السيدة دالاواي»، «المنارة»، «الأمواج»، «السنين»، و«بين فصلين».
اهتم جمهور الأدب كثيراً بتفاصيل حياة وولف التي كانت ملهمة جداً، وتتبعوا أعمالها، واهتموا بشكل أكبر برسالتها إلى زوجها قبيل موتها، هذه الرسالة التي تعد من أشهر الرسائل في عالم الأدب، لكونها حملت الكثير من المعاني الإنسانية، ولأنها تحفظ كلمات أديب في لحظة عبور من الحياة إلى الموت، وفي تلك الرسالة كتبت وولف «إنني على يقين من أنني أرجع لجنوني من جديد. أشعر بأننا لا يمكن أن نمر بفترة أخرى من هذه الفترات الرهيبة. وأنا لن أشفى هذه المرة. أبدأ بسماع أصوات، لا يمكنني التركيز. وأنا سأفعل ما يبدو أن يكون أفضل شيء ليفعل. أعطيتني أكبر قدر ممكن من السعادة. وقد كنت أنت في كل شيء كل ما يمكن أن يكون أي شخص»، لقد كانت الرسالة قطعة أدبية بالفعل، وحفلت بالحس الإنساني تجاه العالم وزوجها المحب.
alaamhud33@gmail.com.