Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18080

الكراس الفيروزي

$
0
0
تمكنت الكاتبة التركية أليف شافاق، ببضعة روايات، من تأكيد حضورها المتدفق في عالم الرواية، الأمر الذي يكشف عن التغيير الملموس والمثير للإعجاب بأسلوبها المتجدد في الكتابة عبر تناولها الحكايات بأسلوب رشيق.
لم تتخيل «شافاق»، ربما أن ما تكتبه سيثير ضجة كبيرة في تركيا، لكنها وبعد أن أحدثتها ازدادت ثقتها بنفسها، وظلت تسير على نفس الخطى وبتوازن مذهل، فالنجاح الهائل الذي عصف بعالمها، لم يخيفها، ولم يقوض دأبها على العمل، ولم يوقفها عند حد، كما فعل ويفعل بآخرين.
والأهم من كل ذلك، أن من تقف وراء الخطوات الواثقة التي تسير بها «شافاق» ووضعتها فوق درب الشهرة، بل وجعلت العالم أجمع يلتفت نحو مقدرتها الأدبية، كما فعل قبلها مع «أورهان باموك»، الفائز بنوبل للآداب، هي أمها التي ترعرعت بين أحضانها، وصنعت جزءاً لا يتجزأ من مسيرتها الناجحة.
ولم يكن تأثرها بوالدها الفيلسوف التركي «نوري بيلغين»، والذي لم تعش معه الفترة اللازمة لتنمية معارفها ومداركها، أكبر من حجم ارتباطها بأمها، وهو ما دفعها للتخلي عن اسم أبيها، ليصبح اسم أمها «شافاق» كنيتها، وتصبح «أليف شافاق» بدلاً من «أليف بيلغين»، وكأنها تقول للعالم إن حياتها مع والدتها، التي لم تكن أقل منها ثقافة وعصرية، في مجتمع ذكوري متسلط، كانت السبب الرئيسي في نجاحها وإبداعها.
واستحقت أم «شافاق» هذا الحب، فقد تنبهت لموهبة ابنتها من أول حرف كتبته، وجلبت لها أول كراس بلون فيروزي، وأقلاماً لتكتب ما يدور في مخيلتها، بدلاً من وأده، وهي الآن ترى هذا النجاح، وتستمتع بمعنى شهرة ابنتها المتفاخرة باسمها، فوق صفحات رواياتها، وفي كل محفل تذكر فيه.
إن دور الأم لا يقل أهمية عن حضور الموهبة نفسها، وانتباهتها الذكية يمكن أن تستكشف مواهب لا تعد ولا تحصى، فكما تنبهت أم «شافاق» إلى أن ابنتها تسرد القصص على أصدقاء وهميين، وراقبتها بذعر، وهي تحكي لدميتها قصصاً قبل النوم، وخافت من رؤيتها تسير، وهي تكلم نفسها وتعتذر للمقاعد والطاولات لو اصطدمت بها، وكأنها تخاطب أشباحاً لا يراها أحد غيرها، لكنها تمكنت من احتواء هذا الجنون، وحولته إلى إبداع، بدلاً من تجاهله أو تعذيبه بالإهمال.
إن موهبة الأبناء قد تختفي أسفل غطاء رقيق من الفوضى أو الجنون، ورغم أن البعض منهم لديه القدرة على تمزيق الغطاء بأنفسهم، لكن الكثير منهم بحاجة ليد تدرك متى ترفعه، وكيف تخرجهم من أسفله بسلام.

باسمة يونس


Viewing all articles
Browse latest Browse all 18080

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>