Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18068

الكتلة في اللوحة الإماراتية.. مسارات مفتوحة على التجريب

$
0
0
الشارقة: محمد أبو عرب

يستند العمل التشكيلي في تاريخ بنائه البصري، إلى سلسلة من العناصر التي تتجانس وتتحد لتكوّن العمل الفني، إذ تظل اللوحة المسندية من دون سائر الفنون البصرية، قائمة على الخط، واللون، والكتلة، والفراغ، ولا يمكن للفنان الانفكاك من تلك العناصر، وإنما يظل محصوراً في تغليب أحدها على الآخر، فتبدو بعض الأعمال قائمة على الخط أكثر مما هي على اللون، أو على الفراغ أكثر مما هي على الكتلة.

الحديث عن عنصر واحد من عناصر العمل يمثل ركيزة ، تفتح الباب على الرؤى البصرية التي ينطلق منها الفنان في بناء عمله، فلا يمكن الحديث عن الخط عند غوغان، بصيغة مماثلة لما يمثله الخط عند أيغون تشيلي.. وهكذا.

يمكن قراءة مساحات ذهنية بصرية جديدة في التجربة التشكيلية الإماراتية، وهي تنطوي على تمايزات دقيقة، ومتماثلة، وأيضا متناقضة، فالكتلة في أعمال د. نجاة مكي، غيرها في أعمال محمد القصاب، وكذلك عبيد سرور.

ولا يمكن النظر إلى الكتلة بوصفها عنصراً قائماً في فضاء العمل الفني معزولاً عن تاريخه الجمالي الذي ينطلق منه الفنان، والكتلة في اللوحة المسندية الإماراتية تتماثل في حضورها مع الموضوع، وهو ما يشير إلى مساحات دلالية في ذاكرة الفنانين، لتحقيق فكرة الهدم، والحذف، والإضافة، والتحوير، وغيرها من المفاهيم التي يمارسها الفنان على الكتلة في أعماله.

انطلاقاً من ذلك يمكن قراءة مسارات متعددة لمفهوم الكتلة في اللوحة التشكيلية الإماراتية، يتسع بعضها، وبعضها الآخر يضيق، للحد الذي يماثل الكتلة في الصورة الفوتوغرافية.

يمكن تلخيص مسارات الكتلة تلك، بوصفها موضوع العمل الذي يطرحه الفنان، وبوصفها الهوية البصرية التي يريد الفنان فرضها، وتشكيل حضوره من خلالها، إضافة إلى الكتلة بوصفها نقيض الفراغ، أي الكتلة الوظيفية التي تعمل على تحقيق التوازن البصري الجمالي بعيداً عن الموضوع أو الهوية البصرية.
تتجلى تلك المسارات الثلاثة لتاريخ الكتلة في التشكيل الإماراتي، إذ تظهر الكتلة في صيغة الموضوع لدى كل من عبد القادر الريس، وعبيد سرور، وغيرهما من الفنانين الذين انحازوا إلى الواقع وقدرته على فتح الفضاء الجمالي أمامهم.
جاء انشغال الريس على الكتلة بوصفها موضوعاً، من خلال اختياره للمكان الإماراتي، إذ كرّس جهده الفني كاملاً؛ لفتح هذا الفضاء داخل اللوحة، فلم تكن الكتلة في أعماله سوى سلسلة من عناصر البيئة الإماراتية، حيث ظهرت لديه كتلة التلال، والجبال، والأشجار، والأبنية التراثية، وغيرها من عناصر المكان الإماراتي.
فرض الموضوع - المكان الإماراتي- إملاءاته على الريس، فلم تعد الكتلة بوصفها موضوعاً في أعماله منفصلة عن سلسلة الكتل المتشابكة في فضاء اللوحة.
الأمر ذاته يمكن تلمسه في تجربة عبيد سرور، الذي انشغل هو الآخر بالمكان، فصارت الكتلة في لوحته غير قابلة للتأويل، وإنما هي رهينة حضورها، فالبيت لا يشير إلّا إلى البيت، بكل ما يمكن تعميم دلالته، وكذلك الشجر، والبحر، وغيرها من عناصر بناء العمل الفني لديه.
مقابل هذا الاشتغال والتمركز على عنصر الكتلة، وحصره في سياق الموضوع نجد في تجربة كل من عبدالرحيم سالم، ود. نجاة مكي، اختيارهما المسار الثاني للكتلة، فلم تعد الكتلة هي الموضوع وحسب، وإنما تعدّت ذلك لتصبح الهوية البصرية والفكرية التي ينطلق منها الفنانان.
يتجلى هذا في أعمال سالم من خلال اشتغاله على تحويل النص الحكائي بكل مرموزاته إلى عناصر ذات كتل قليلة أو متجانسة في أعماله، فلم يكن حريصاً على موضوع الكتلة بقدر ما كان معوّلاً على قدرتها في نقل هويته، إذ ظلت التعبيرية تأخذ مداها في أعماله، حتى باتت اللوحة الفنية كلها هي الكتلة ذاتها، بعد أن كان يمكن العثور عليها بصور أجساد بشرية تعبيرية مشغولة بالتماهي مع اللون أكثر من انشغالها في التجسد والظهور.
وهذا تماماً ما ظل حاضراً في أعمال د. مكي، على الرغم من التمايز الأسلوبي بينها وبين سالم، والكتلة لديها مضت في مسار الهوية، فكان تكوينها للكتلة هو هويتها في العمل الفني، إذ عرفت بصورة النساء بالقامات الممشوقة، والنحيلة التي تتداخل مع عناصر البناء اللوني الأفقي في الأغلب، لتأخذ شكل الوحدة الجمالية التي تهدم الفارق بين الكتلة واللون.
جهود محمد القصاب في تجربته الفنية التي يعمل فيها على الكتلة في إطارها الواسع، القائم على الشكل، والهوية، إلى جانب البعد الوظيفي المتمثل في تحقيق الاتزان البصري والانسجام بين الوحدة اللونية، والشكل داخل اللوحة.
يثير القصاب واحدة من العلاقات الواسعة للكتلة بوصفها عنصراً أصيلاً في اللوحة المسندية، فتصبح الكتلة متسعة الدلالة، وتأخذ حضورها في إطار تحقيق الوظيفة الجمالية المتحررة من الموضوع في أغلبها، والمنحازة في المجمل إلى الفكرة، والأثر البصري الذهني.
يعيد ذلك كله قدرة اللوحة على تعميق عناصر بنائها، وتوسيع دلالات كل ما يمكن أن يحضر في فضائها، إلى جانب قدرة الفنان على فتح منافذ جديدة أمام الخط، واللون، والكتلة، والفراغ تتعدى صورتها الأصيلة المتماثلة مع الواقع، لتصل إلى مساحات عميقة منفلتة من الدلالات وخارجة عن إطار المتوقع، والجاهز.



Viewing all articles
Browse latest Browse all 18068

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>