منذ أن توصل الإنسان إلى اكتشاف المعادن، وهو يحاول استغلالها في استخدامات متنوعة في حياته اليومية، وقد تطورت هذه الاستخدامات مع تطور الإنسان، حتى أصبحت عنصراً أساسياً، يلبي العديد من احتياجاته العملية والجمالية، فكان فن تشكيل المعادن وتطويعها في تشكيلات، تجمع بين الجانبين الجمالي والوظيفي، أحد أهم الفنون التي عرفتها البشرية عبر تاريخها الطويل، حيث إن الحضارات القديمة قد استغلت المعادن المختلفة ابتداء من الحديد والنحاس والذهب والبرونز وغيرها، في خدمة الأغراض المختلفة من تزيين وأسلحة ومصنوعات يدوية تعين الإنسان في حياته اليومية، كما نلاحظ ذلك في الآثار المكتشفة في الحضارة المصرية القديمة، أو في حضارة بلاد الرافدين أو الحضارة اليونانية.
أخذت المشغولات المعدنية بمختلف أشكالها حيزاً بارزاً في الحضارة الإسلامية على امتداداتها الجغرافية الواسعة، فتناقل الحرفيون والصناع والفنانون المسلمون أساليبهم المختلفة في تشكيل المعادن وصناعتها وتزويقها وزخرفتها، وبرز من هذه المشغولات الأواني النحاسية والفضية وأدوات الزينة والأسلحة ومقابض السيوف والخناجر، وكذلك مصابيح الإضاءة والمشكاة والسراج وسرج الخيول، وغيرها الكثير من الأدوات، التي نفذها الفنان المسلم مبدعاً في تصميمها وصناعتها.
ازدهرت صناعة المنتجات المعدنية الإسلامية في العصر المملوكي، حيث تعددت أشكالها ومجالات استخدامها، وكان لصناعة التحف النحاسية المكفتة بالذهب والفضة، منزلة خاصة لدى المماليك، وقد وصل إلينا من هذا العصر، تحف معدنية عظيمة من أبواب وكراسي، وصناديق ومقلمات، تمتاز بخطوطها وزخارفها الهندسية والحروفية، وقد بقيت صناعة التحف المعدنية وزخارفها في العصر المملوكي تسير وفقاً للأساليب الصناعية التي شاعت في كل من مصر وبلاد الشام، تحت حكم الدولة الأيوبية حيث استخدم أسلوب التسخين أو التخمير كما يطلق عليه حديثاً حتى يسهل تشكيل التحف المعدنية المراد صناعتها بواسطة الطَرْق، الذي يعد بدوره من أهم الطُرق الصناعية التي استخدمت في تشكيل التحف المعدنية قبل الإسلام وبعده، واستخدم أيضاً أسلوب الصب في قوالب معدنية للحصول على بعض الأشكال المعدنية، بعد تجمد المعدن المنصهر ليأخذ الشكل الداخلي للقالب، واستخدم كذلك أسلوب اللحام، وغيره من الأساليب التي استخدمت جنباً إلي جنب مع الأساليب الأخرى، التي ظهرت إبان هذا العصر.
استخدم في صناعة التحف المعدنية النحاس والفضة والبرونز، كما استخدم الحديد أيضاً في كثير من الأدوات والتحف المعدنية، واستخدم الذهب في تكفيت الكثير من التحف المصنوعة من معدن أقل قيمة، والتكفيت هو حفر العناصر الزخرفية فوق سطح الأواني المعدنية حفراً غائراً ثم تملأ الأجزاء المحفورة بمادة أغلى قيمة من المادة المصنوعة منها التحف، كالذهب أو الفضة أو النحاس الأحمر.