يقف المعاين لتاريخ الليل في التراث الإبداعي الإنساني عند مفردة زمنية واسعة الدلالة، فيكاد يكون تاريخ الكتابة في العالم رهناً لهذه المفردة، إذ مثل الليل بصيغته الزمنية وقتاً للإبداع والانفلات من الواقع، فيبدو الكتّاب فيه جامحين، وكأن سر الإبداع يكمن في العتمة، أو فكرة الغياب، أو ربما السكون.
والحديث عن تاريخ الليل في سياق الأدب، أو الشعر، أو الفلسفة والفكر، يتجاوز ذلك، ليشكل تاريخاً في كل أشكال المعرفة الإنسانية، ليخرج من الفضاء الفلكي لدوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، ليصل -على سبيل المثال- إلى سياق فلسفي تأملي للحضارة الصينية القديمة (ين، يانغ)، ويتجاوز ذلك ليصبح في الشعر العربي دليلاً على فكرة الحب، ولا ينتهي عند ذلك، بل يصل إلى التصوّف، وفكرة الإشراق، والتجلي.
يكاد الليل يكون رفيق العقول الكبيرة، والقلوب المبدعة، فما أن تتوارى الشمس خلف التلال البعيدة، أو يحجبها المعمار الشاهق للأفق، حتى يفتح المبدعون باباً على عوالم عجيبة، وتفيض أسرار عقولهم، حبراً، ولوناً، وحكمة، وتأملاً، وبلاغة، سبق للفنان العالمي الهولندي فان غوخ أن قال عن الليل «كثيراً ما أظن أن الليل أكثر حياة وذخراً بالألوان من النهار». وربما نتشارك مع فان غوخ هذا الرأي، وإلا كيف لتلك العتمة الدامسة أن تفيض عذوبة شعرية، كما في قول امرئ القيس: «وليل كموج البحر أرخى سدوله»، وكيف لا نسقط في فتنة الليل وهو يروي برد الغياب في قصيدة الراحل محمود درويش: «الليل تاريخ الجنون».
قد يكون الليل تاريخ الحنين الكامل، فهو عند المتصوفة الباب الذي يدخلون فيه إلى شوقهم، وحنينهم إلى العلي القدير، ولليل رمزيته في المفاهيم، ويكاد يكون ركيزة أساسية لفكرة الخلوة والتأمل، كما كان كبير المتصوفة ابن عربي يقول: «إن النّفري من أهل الليل، واعلم أعزك الله بسلطانه أن الله جعل الليل لأهله، كما جعل الغيب لنفسه».
يحقق ابن عربي العلاقة الجذرية القائمة بين الغيب، والليل، فكلاهما فيه من الحجب والستر ما يكفي ليكون مثيراً وغامضاً، ليقف عند واحدة من العلاقة التاريخية بين العزلة والإبداع، والغياب والتجلي.
ذلك تماماً ما يثير الرجل الذي يعيش في مكتبة، كما هو حال الأرجنتيني ألبرتو مانغويل، فهو صاحب الكتاب: «المكتبة في الليل»، الذي وجد في هذا الليل سراً يفيض على كتبه، إذ يقول: «إذا كانت المكتبة في الصباح توحي بصدى نظام واقعي بسيط ومعتدل للعالم، فإنها في الليل تبدو منتشية وسعيدة بفوضى العالم».
والحديث عن تاريخ الليل في سياق الأدب، أو الشعر، أو الفلسفة والفكر، يتجاوز ذلك، ليشكل تاريخاً في كل أشكال المعرفة الإنسانية، ليخرج من الفضاء الفلكي لدوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، ليصل -على سبيل المثال- إلى سياق فلسفي تأملي للحضارة الصينية القديمة (ين، يانغ)، ويتجاوز ذلك ليصبح في الشعر العربي دليلاً على فكرة الحب، ولا ينتهي عند ذلك، بل يصل إلى التصوّف، وفكرة الإشراق، والتجلي.
يكاد الليل يكون رفيق العقول الكبيرة، والقلوب المبدعة، فما أن تتوارى الشمس خلف التلال البعيدة، أو يحجبها المعمار الشاهق للأفق، حتى يفتح المبدعون باباً على عوالم عجيبة، وتفيض أسرار عقولهم، حبراً، ولوناً، وحكمة، وتأملاً، وبلاغة، سبق للفنان العالمي الهولندي فان غوخ أن قال عن الليل «كثيراً ما أظن أن الليل أكثر حياة وذخراً بالألوان من النهار». وربما نتشارك مع فان غوخ هذا الرأي، وإلا كيف لتلك العتمة الدامسة أن تفيض عذوبة شعرية، كما في قول امرئ القيس: «وليل كموج البحر أرخى سدوله»، وكيف لا نسقط في فتنة الليل وهو يروي برد الغياب في قصيدة الراحل محمود درويش: «الليل تاريخ الجنون».
قد يكون الليل تاريخ الحنين الكامل، فهو عند المتصوفة الباب الذي يدخلون فيه إلى شوقهم، وحنينهم إلى العلي القدير، ولليل رمزيته في المفاهيم، ويكاد يكون ركيزة أساسية لفكرة الخلوة والتأمل، كما كان كبير المتصوفة ابن عربي يقول: «إن النّفري من أهل الليل، واعلم أعزك الله بسلطانه أن الله جعل الليل لأهله، كما جعل الغيب لنفسه».
يحقق ابن عربي العلاقة الجذرية القائمة بين الغيب، والليل، فكلاهما فيه من الحجب والستر ما يكفي ليكون مثيراً وغامضاً، ليقف عند واحدة من العلاقة التاريخية بين العزلة والإبداع، والغياب والتجلي.
ذلك تماماً ما يثير الرجل الذي يعيش في مكتبة، كما هو حال الأرجنتيني ألبرتو مانغويل، فهو صاحب الكتاب: «المكتبة في الليل»، الذي وجد في هذا الليل سراً يفيض على كتبه، إذ يقول: «إذا كانت المكتبة في الصباح توحي بصدى نظام واقعي بسيط ومعتدل للعالم، فإنها في الليل تبدو منتشية وسعيدة بفوضى العالم».
محمد أبو عرب
Abu.arab89@yahoo.com