بالطبع ليس بالضرورة أن الأمر كذلك في كل الأحوال، فلابد من أن الهتاف يدل على وعي معين، ولا يمكن مصادرة ذلك عنه، والعاطفة نفسها ليست متناقضة مع الوعي، وربما اللحظة الهتافية هي لحظة مفتاحية في كثير من الأحيان تحمل رفضاً رهيباً، فعلاً احتجاجياً يكون مقدمة لفعل إيجابي كبير، هو اللحظة التي لها ما بعدها، أو المعبرة عن موقف قوي، وهي بذلك أبعد عن الفعل السالب.
وليس صحيحاً أن الهتاف لا يبني وطناً، ولا مشروعاً، فهو الحلم الذي يحدد ملامح المشروع أو الوطن الذي يكون إليه المسعى، بل هو طاقة إيجابية تشحن فيها الرغبات الإنسانية الحالمة بالتغيير التي تصبح برنامج عمل، فما بعد الهتاف يبدو كلحظة منتظرة للاستجابة للآمال والرغبات، وذلك ليس حكماً إطلاقياً وقطعياً فهو في بعض الأحيان يكون ترجمة لحالة بائسة جداً.
وكما أنه ليس كل هتاف هو تعبير عن حالة سالبة، ففي الاتجاه الآخر يصح كذلك أنه يعبر عن وعي زائف، فهدير الكائنات الأيديولوجية والطائفية المستنسخة يشير للحظة يغيب فيها العقل، ويزيف عندها الوعي، حالة صماء تماماً.
ولعلنا هنا نقف موقفين، أحدهما يعلي من الهتاف كلحظة رغبوية تقود لما بعدها، هي التي تقود إلى التغييرات الكبيرة في حياة الأمم والشعوب، تلك التي تصنع واقعاً جديداً، على نحو الثورات الكبيرة التي كانت لها تأثيراتها الحقيقية والأخرى تشير لحالة مظلمة تقبع تحت التأثيرات السالبة، للموقف العقدي الفاسد والطائفي المولد للتبعية، هو تلك اللحظة المتناقضة مع المعرفة، والمنتجة للمواقف والأيديولوجيات المتشددة والمتزمتة، التي تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة.
الموقف الثاني لا ينتج واقعاً جديداً، بل يكرِّس للقديم، يصنع حالة اجترارية، هو عدو لكل جديد، موقف ثابت على المبادئ، ثبات الجبال الراسيات، هو بالتالي موقف لا يقيم وزناً للمتغيرات من حولنا، ويعتبر كل استجابة لما يلقي به الواقع، محض مساومة مرفوضة، وهذا الموقف الرافض للمتغيرات، غير المتصالح معها، يأتي مدعوماً بكلمات تحريضية تدعو إلى أن يختار الشخص موقعه وموقفه ولا يبدله مهما كانت الظروف، بالتالي، فهذا الموقف يعبر عن حالة مغلقة وصماء تماماً، وهو في هذه الحالة يعبر حقاً عن وعي زائف متناقض مع المعرفة.
علاء الدين محمود