Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18097

لؤي كيالي.. ذاكرة الناس وأوجاعهم

$
0
0
الشارقة: غيث خوري

«كان لؤي كيالي مجنوناً، يجب ألا نخفي هذه الحقيقة من حياته، بل يجب أن نعلن عنها ونشير إليها باعتزاز. يجب أن نقول أن لؤي كيالي من بقايا المستحاثات البشرية التي مازال لديها أعصاب وحساسية وكرامة، وأن هذه الميزات هي التي جعلته غير قادر على التواؤم مع عالمنا اللا معقول فجن وأربكنا»، ممدوح عدوان /‏‏‏ دفاعاً عن الجنون.
يعد لؤي كيالي (1934- 1978) أحد أعلام الفن التشكيلي السوري والعربي، بما قدمه من أعمال فنية تركت بصمة كبيرة جعلت منه اسماً وقيمة لا يمكن تجاهلهما، وبرغم كل ما أحاط بكيالي في حياته ومماته من أخذ ورد، هجوم وتقدير، فإنه بلا شك يبقى أحد الفنانين الذين كشفوا الحياة بتبصر وإحساس عال وتوقد فني نادر.
ولد كيالي في مدينة حلب عام 1934، وكانت بداياته الفنية الأولى في سن مبكرة، حيث كان أول عرضٍ للوحاته في مدرسة التجهيز الأولى بحلب (ثانوية المأمون) عام 1952، وبعد إتمام المرحلة الثانوية في عام 1954 انتقل إلى دمشق والتحق في كلية الحقوق، وفي عام 1955 شارك في معرض أقامته جامعة دمشق وحصل على الجائزة الثانية. لكنه لم يواصل الدراسة في كلية الحقوق، فتركها ليعمل كاتباً في «المعتمدية العسكرية» بحلب. في هذه الفترة أوفدت وزارة المعارف التربية والتعليم عدة دفعات من الفنانين الشباب إلى مصر وتركيا وبريطانيا وألمانيا وروسيا وإيطاليا لدراسة الفن، وكان كيالي من ضمن الموفدين للدراسة في إيطاليا عام 1957.
برزت موهبته في أكاديمية روما للفنون الجميلة وتفتحت له الآفاق الواسعة، ما ساهم في إغناء ثقافته الفنية، وفي عام 1961 أنهى دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة بروما، وحصل على شهادة في قسم الزخرفة، عاد بعدها إلى سوريا ليعمل مدرّساً للتربية الفنية في مدارس حلب أولاً، ولاحقاً في مدارس دمشق الثانوية، لكنه انتقل في عام 1962 إلى تدريس مادة الرسم ومبادئ الزخرفة في كلية الفنون الجميلة بدمشق.
بين الواقعية والتعبيرية التي لازمت معظم إنتاجه، أصبحت شخوصه مرآة تعكس تفاصيل من الأسى والحزن الذي رافق ومازال يوميات الإنسان العربي، فتناولت أعماله الأطفال المشردين والعمال المسحوقين والفقراء والمتعبين الذين يكافحون من أجل الحصول على لقمة العيش، وشت عيون ووجوه أبطاله المرهقة والحزينة بالكلام الذي صمت عنه الكثير، عيون تنتظر وتستغيث، ومن أشهر أعماله: عازف العود، وحلاق القرية، وبائع الزهور، والرسالة، وماسح الأحذية، والصياد الصغير، وأمومة، وراكب الدراجة،والوجه الحزين.
وتعتبر لوحة «ثم ماذا» من أهم أعماله الفنية، والتي تناولت مأساة اللاجئين، وقد كتب كيالي معلقاً على لوحته بقوله: «إنها مأساة ضخمة.. مأساة اللاجئين النازحين عن الأرض المحتلة، مأساة حاولت قدر استطاعتي وإمكانياتي الفنية أن أعطي أبعادها في اللوحة». في عام 1967 وقبل النكسة بشهر، أقام كيالي معرضه «في سبيل القضية»، قدم فيه 30 لوحة منفذة بالفحم، كانت إحدى أهم المحطات الفنية في حياته، وفي هذا الصدد يقول ممدوح عدوان: «بدأ كيالي ينتبه إلى واقع غير الواقع الذي كان يعرفه والذي تعود أن يتعامل معه بفنه. اكتشف فقراء وجائعين.. اكتشف صيادين وحصادين وأطفالاً مشردين.. واكتشف قضايا يموت الناس من أجلها وهي تستحق ذلك.. واكتشف عذابات يعيشها الناس.. اكتشف حياة لا تليق بالبشر وافترض لو أنه اضطر للعيش فيها لما قبل، فأي عالم هذا؟ وكيف يمكن احتماله وكيف تتم مقاومته؟!» لاشك أن الثقل كبير ولكن هؤلاء جبابرة لكي يستطيعوا احتمال هذا كله.. -يضيف عدوان- وكانت النتيجة معرض «في سبيل القضية» في مايو/‏‏‏أيار 1967.. فقدمت لوحاته أناساً مذعورين من هذا الوضع لكنه قدمهم أجفالاً وغلاظاً وأقوياء.. ذوي ملامح قاسية وأطراف ضخمة.. يحملون أعباء داخلية مضنية وخارجية مرهقة، يسحقهم هذا الواقع ولكنه لا يخضعهم».
استمر عطاء كيالي رغم الظروف والأزمات الصحية التي مر بها، وخاض غمار تجارب فنية جديدة باستمرار، مطوراً من أساليبه وتقنياته، ولكنه كان يعود دائماً إلى مواضيعه وشخصياته المحببة فيصورها، إلى أن أنهكه المرض فجلس طريح الفراش، وفي السادس والعشرين من ديسمبر /‏‏‏ كانون الأول عام 1978 يفارق لؤي الحياة متأثراً بالحروق التي التهمت جسده إثر سيجارته التي سقطت على فراشه، ليودع الحياة محترقاً كما عاشها محترقاً، كما قال ممدوح عدوان.



Viewing all articles
Browse latest Browse all 18097

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>