مر نحو خمسة عقود على نشر كتاب «اللغز الأنثوي» ل (بيتي
فريدان) زعيمة حركة تحرير المرأة في الولايات المتحدة الأمريكية في عقد الستينات والسبعينات والصادر في عام 1963، وقد ترجم الكتاب مؤخراً إلى العربية، بعد تأخير ملحوظ، وربما يتعذر معرفة سبب تأخر ترجمة هذا الكتاب المهم، لا سيما عند مقارنة أوضاع ملايين النساء في الشرق بالنساء في الغرب اليوم.
الكتاب يتهم الإعلانات التلفزيونية بالترويج لصورة المرأة المثالية على أنها الجميلة والرشيقة وربة المنزل، يتهمها بتحرير الرجل، بعد أن زرعت في رؤوس النساء بأن المتمردة على ذلك تخون أنوثتها، وتسهم في تقويض رجولة الرجل.
لعب المجتمع دوراً قاسياً ضد المرأة ما دعا «فريدان» لقضاء خمس سنوات في العمل على كتابها، بادئة باستبانة أجرتها على زميلاتها في الدراسة لمعرفة ما وصلن إليه بعد الدراسة، لتكتشف حياة مملوءة بالتعقيدات وغضب مكتوم بسبب العجز عن تحديد الهوية.
والمشكلة التي أطلقت عليها «فريدان» اسم «مشكلة لا اسم لها» أوقعت المرأة في حيرة، بين أن تكون ربة بيت مثالية، والاعتناء بأنوثتها لتصبح أجمل من عارضات الأزياء، وفي الوقت نفسه التعاطف مع المستقلات ممن أصبحن كاتبات أو عاملات لأنهن خاضعات لتبعات ومتاعب العمل والحياة القاسية.
تروج الإعلانات لمعنى سعادة ربة المنزل في مطبخها وبين عائلتها، بينما هي في الحقيقة تعاني مشكلتها التي «لا اسم لها» وتعيش حالة من الكآبة بسببها.
لقد واجهت المرأة في الغرب تحديات كبيرة، وكان عليها تحطيم الأسوار الصلبة المثقلة بالقيم التاريخية، لكي تعبر إلى المستقبل ومع هذا، ورغم تحقيقها الاستقلالية ونيلها الحرية لا تزال تعاني الكثير بسبب المناهج الدراسية في الجامعات والإعلانات التلفزيونية، التي تذكر المرأة بأهمية أنوثتها التي تعرفها بالقوام الجميل والملامح الجذابة فقط، لأن المرأة المثقفة مسترجلة.
ولا شك بأن النهضة النسوية التي شهدتها أمريكا في مطلع القرن العشرين، قد تعرضت لأكثر من انتكاسة كي تنجح في المرور بسلام، وهذا ما يدعونا إلى الفخر بالتجربة الإماراتية في تمكين المرأة وتعزيز استقلاليتها الفكرية بهوية واضحة، فهي تتألق وسط ملايين من نساء العالم العاجزات إلى اليوم عن الوصول إلى ذواتهن التي أطلقت عليها فريدان مسمى «الذات المصادرة» ما يعزز هشاشة هويتهن وضعف إمكاناتهن.
اللغز الأنثوي الذي وأد ملايين النساء مجرد خدعة ظالمة لإمكانات وقدرات هائلة تجعل المرأة قادرة على المشاركة في بناء مجتمعها كما تفعل الإماراتية اليوم.
باسمة يونس