Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18097

زيارة لغاندي

$
0
0
علاء الدين محمود

هي زيارة ضرورية ومتسقة مع روح العصر، الذي يغلب عليه طابع العنف، إذاً هي تبحث عن ترياق مع هذا المناضل الهندي، الذي علمنا أن اللاعنف ليس نقيضاً للثورة، بل هو عملية ثورية تستوعب كل التعريفات والمتطلبات المتعلق بهذا الفعل، كونها تسعى إلى خلق حالة جديدة، ولئن كان مبدأ اللاعنف قديماً في تاريخ البشر، إلّا أنه مع المهاتما غاندي، قد اكتسب بعداً جديداً، لقد أصبح تقليداً وعملاً جماعياً تقوم به الشعوب، وفلسفة يسكب فيها المنظرون بذلاً فكرياً جديداً يواجه أزمات العصر، ومع هذه الأفكار الجديدة التي تدعم موقف وفلسفة اللاعنف، أصبح هنالك أثر جديد في إدارة الصراع يأخذ من الإنسانية، وينتمي إليها كفلسفة أخلاقية في التغيير والفعل السياسي، وتحقيق الأهداف الاجتماعية، بعكس الفعل العنيف الذي يأتي في صورة العمل المسلح، وعلى العكس مما يقال في هذه النقطة، فإن اللاعنف فعل ينتمي إلى الجماهير، ابتدعته في وسائل مقاومتها للإيديولوجيات المفرطة في العنف.

مع غاندي اكتسب المصطلح ثراه وانفتح على مزيد من البذل الفكري حوله، فلقد كانت تجربة غاندي ملهمة بالفعل للمفكرين، وكذا الحال بالنسبة للمناضلين، ضد الشر في العالم، وربما هنا تبدو حاضرة تجربة نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا الذي اقتفى بلاشك أثر غاندي، فاللاعنف نجح كثيراً في غايته في التغيير الاجتماعي، من دون استخدام القوة، فغاندي رائد هذه المدرسة، نجح في السير بشعبه، والتاريخ يدعم مثل هذه الحركة، فالخسائر البشرية على مدى العصور تقف شاهدة على إفلاس العنف، ولعل حركة التاريخ تسير فعلياً نحو ضرورة اللاعنف، مصدقة تماماً لفلسفة غاندي، ومستشهدة بشواهد فلسفية عظيمة من أقوال كثير من الفلاسفة منذ هيجل وكانط، بل وللمفارقة، حتى ماركس إلى حنا أرندت.

غاندي بالفعل يعتبر ملهماً للمفكرين والفلاسفة من خلال القيم الأخلاقية والفكرية التي أضافها وقدمها للعالم، من خلال تجربته في مقاومة الاحتلال عبر «الساتيا غراها»، وهي فلسفة مقاومة الاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل، التي قادت إلى استقلال الهند، وألهمت العديد من حركات الحقوق المدنية والحرية في جميع أنحاء العالم. غاندي استمد أفكاره حول اللاعنف، وهذا النوع من العصيان، من خلال عمله كمحامٍ في جنوب إفريقيا، واللافت أن تقوم جنوب إفريقيا باستلهام تلك التجربة مرة أخرى على يد نيلسون مانديلا، طبعاً مع فروقات كبيرة، غير أن الشاهد أن جنوب إفريقيا بالنسبة لغاندي هي البلد الذي تبلورت فيه أفكاره حول «اللاعنف» كخيار حاسم لإسقاط الاستبداد، وأن تصبح تلك الأفكار من ضمن الخيارات التي بات ينظر إليها بقوة بيد البشر، في مواجهة العنف، ليصبح معها اسم غاندي حاضراً بقوة، ورمزاً في مواجهة الكراهية.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 18097

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>