Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18097

هيلاري مانتيل: أستيقظ في الفجر مثل رهبان العصور الوسطى

$
0
0
القاهرة: نصر عبد الرحمن

الكتابة الإبداعية عملية ذهنية ونفسية مُركبة، ولا يمكن اعتبارها مهنة أو وظيفة، حتى وإن تفرغ المُبدع للكتابة. يتعرض المُبدعون عادة إلى ضغوط وتحديات كثيرة في عملهم لدرجة تدفع البعض إلى التوقف تماماً أو مرحلياً عن الكتابة. ليس هناك طريقة عمل مُعتمدة أو خطوات مُحددة يتبعها المُبدع في إنتاج عمله، كما يتضح من شهادات كبار الكُتاب في العالم. قلة من الكتاب هم من يعملون بمُعدل ثابت، ولا تعطلهم المؤثرات الخارجية؛ بينما يحتاج أغلب المُبدعين إلى التركيز، ويواجهون العديد من الصعوبات، ويجربون طرقاً مُختلفة للتغلب عليها؛ منها الاعتماد على مُثيرات حسية لتحفيز الكتابة، مثل الاستماع إلى الموسيقى، أو اختيار مكان أو وقت بعينه للكتابة، أو حتى لون الحبر والورق.
وتختلف صعوبات الكتابة باختلاف أنماط الحياة وطبيعة الشخصيات، وبالتالي ليس هناك وصفة جاهزة للتغلب عليها، إلا أن تبادل الخبرات قد يساعد المُبدعين في العثور على حلول أو يُحفزهم على ابتكار وسائل جديدة لتجاوز التحديات والعقبات. هذه ترجمة لمجموعة من المقالات القصيرة لكبار الكُتاب؛ يتحدثون فيها عن يوم الكتابة وإدارة الوقت وخبراتهم في التعامل مع المشروعات الأدبية التي يعملون عليها، وطريقة التغلب على التحديات التي تواجههم.
الكاتبة البريطانية هيلاري مانتيل بدأت الكتابة عام 1985، وحصلت على جائزة بوكر الأدبية عام 2009 عن روايتها «قصر الذئاب»، وعام 2012 عن رواية «أخرجوا الجثث»، وكلتا الروايتين تتناول حياة توماس كرومويل أحد مستشاري الملك الإنجليزي هنري الثامن. وهي أول امرأة تحصل على جائزة بوكر مرتين.. تقول: يزعم بعض الكتاب أنهم ينجزون كتاباً بنفس سهولة إخراج المعجون من أنبوبة معجون الأسنان، أو يقومون ببناء حبكة كأنهم يشيدون جداراً يرتفع عدة أقدام كل يوم. يجلسون إلى مكاتبهم ويكتبون العدد المطلوب من الكلمات، ثم يبتهجون لأنهم سيقضون أمسية هادئة. هذا أمر شديد الغرابة بالنسبة إلي، كأنني أقوم بشيء مُختلف تماماً. كتابة مُحاضرة أو مراجعة نقدية، أو نوع من الكتابة غير الأدبية، يبدو لي بمثابة وظيفة كأي وظيفة أخرى لا تحتاج سوى إلى تحديد الوقت وتجهيز المراجع ثم الانكباب على العمل. لكن كتابة عمل أدبي هي عملية لا أعرف متى تبدأ، أو تنتهي، وليس فيها أي معيار لقياس الإنجاز. لا أكتب بالتتابع. ربما أكتب مشهداً واحداً عشرات المرات، وقد أقضي أسبوعاً كاملاً في محاولة صياغة صورة أدبية في قصة من دون أن يتحرك السرد قيد أُنملة. يتطور العمل الأدبي وينمو وفق خطة غير محسوسة، ولا يُمكن إدراكها. يمكن أن أفهمها بعد أن أنتهي من الكتاب.
اعتدت أن أبدأ الكتابة في وقت مُتأخر من اليوم، ولكني أصبحت أستيقظ الآن في الفجر مثل رهبان العصور الوسطى، وأظل أكتب من دون توقف، ثم أعود إلى الفراش في السادسة صباحاً، وأنا أتمنى أن أحصل على قسط من النوم لمدة ساعتين. أتمنى كذلك أن أستيقظ ببطء وفي هدوء، لأن الأصوات العالية والعشوائية في الغرف الأخرى تصيبني بالجنون وتؤدي إلى ارتباكي. وإذا حدث أن استيقظت في سلام، وأمسكت بالقلم، أشعر بالبهجة تتسرب من أطراف أصابعي إلى جسدي. في الأيام الهادئة، أكتب آلاف الكلمات في عدد من المشروعات الروائية، وربما بدأت برواية جديدة. يكون تدفق الكتابة أشبه بحفل صاخب.. يستمر ساعات طويلة، ويحتاج المكان إلى الكثير من الترتيب بعد أن ينتهي. الأيام التي يكتنفها بعض التوقف لا تكون قصيرة عادة، وأكون فيها أكثر وعياً وتوتراً أثناء الكتابة، وفي النهاية تصبح مفيدة ويكون إنتاجي فيها كبيراً. أكتشف هذا فيما بعد. أما في أيام تدفق الكتابة، فلا أدُرك ما كتبت حتى أعيد مطالعته.
لا فارق عندي بين الكتابة بالقلم، أو على لوحة مفاتيح الكمبيوتر. في الواقع لا أهتم بأي شيء طالما استيقظت في هدوء، وفي الوقت المناسب. أستغرق وقتاً طويلاً في التفكير وأكتب بسرعة.
تسير أغلب أيام الكتابة طوال السنة على هذا المنوال. أما الأيام الأخرى فتكون مشحونة بالسفر والأحاديث والعلاقات العامة؛ ولكن يتخللها ساعات من التفكير. أكثر سؤال يُطرح على الكُتاب هو: «هل تكتب يومياً أم تنتظر هبوط الوحي؟». يثير هذا السؤال غضبي، وأرد: «بالطبع أكتب يومياً، هل تظنني هاوية؟». ومع ذلك أتفهم أن هذا السؤال هو عن طبيعة الإلهام.. أعتقد أن الإلهام هو المُثابرة.. هو حالة من اليقظة الدائمة.. هو الاهتمام بما تكتب ليلاً ونهاراً، في النوم واليقظة.



Viewing all articles
Browse latest Browse all 18097

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>