المولد الحقيقي لهذا الفيلسوف والماركسي المختلف كان لحظة كتابته لمؤلفه «موضوع الأيديولوجيا الرفيع»، وفي هذا الكتاب أقبل سلافوي جيجك على أعمال الفيلسوف الألماني الكبير هيغل، مستعيناً بالفرنسي جاك لا كان عالم النفس المعروف.
وقد مثلت لحظة نشر الكتاب في عام 1989م لحظة فارقة في حياته، فقد عرف منذ لحظة إصدار ذلك الكتاب، وكان مفتاحاً لمؤلفات أخرى كان لها تأثيرها الكبير مثل «الحياة في آخر الزمان»، صارت له بعد ذلك فتوحات عظيمة في الفلسفة خاصة «علة في الفردوس» «و الارتداد المطلق»، وهما المؤلفان اللذان وجدا اهتماماً كبيراً من الفلاسفة، ونالا قدراً كبيراً من التداول في أوساط المثقفين، وقد استعرض الفيلسوف الكبير تيري ايغلتون هذين الكتابين، وتحدث عن جيجك معتبراً إياه من أعظم الفلاسفة المعاصرين الذين هضموا الفلسفات وتمثلوها، فعند ايغلتون نجد أن الفلاسفة في بريطانيا يميلون إلى الانقسام ما بين أكاديميين يكتبون لبعضهم البعض ووسطاء لمعنى الحياة يشيعون أفكارهم بين العامة، ويرى إيغلتون أن جزءاً من سر جيجك أنه يجمع الاثنين في آن، فهو بحسب إيغلتون علاّمة جهبذ لا يشق له غبار، متمكن من كانط وهيدغر، كما يملك حماسة شرهة لليومي، ويشعر بالألفة ذاتها تجاه هيدجر وهتشكوك، وإذا كان عالماً ﺑفاغنر وشونبرك، فهو كذلك مستهلِك كبير لأفلام مصاصي الدماء والأدب البوليسي.
وقد تعلم الكثير من قرائهِ فهم فرويد ونيتشه، كما أنه يجمع بين النقائض بذات الشراهة فهو مقبل على كل شيء، ويبدو ذلك من خلال الأعمال الكثيرة المتنوعة التي أنتجها والتي تجمع بين الفلسفة والتحليل النفسي ذي الطابع اللا كاني والنيو ماركسي، الذي يمزج فيه ما بين الثقافة الشعبية والفلسفة الأكثر نخبوية.
ولد العبقري السلوفيني جيجك عام 1949، ويعتبر فيلسوفاً وناقداً ثقافياً، له إسهاماته الكبيرة في النظرية السياسية، ونظرية التحليل النفسي والسينما النظرية، يأتي تأثره المهم بكارل ماركس في كونه يقلب الطرق العادية في التفكير، وفي كونه من كبار نقاد الرأسمالية، انتقد كثيرون أسلوب جيجك، خاصة النقاد الذين صاروا يتتبعون أسلوبه في الحياة، كعبقري مثير للجدل من حيث المواقف والآراء الصادمة التي يتبناها.
ويذهب بعضهم إلى أن جيجك مجادلاً سخيفاً، ويخشى الآخرون من نزعته النيو ماركسية لكن منذ الأزمة المالية العالمية، تم اعتباره خبيراً في الركود الاقتصادي، غير أن تلك الآراء الصادمة والعميقة، وعبقريته التي لا تخفى خلقت من حوله الكثير من المعجبين، وقد لمع اسمه بشكل كبير في فترة الأزمة الرأسمالية، وكذلك من خلال انتقاده للرأسمالية العالمية والليبرالية الجديدة أيضاً، كما هو الحال في كتابه «الصراع الطبقي الجديد: الأسباب الحقيقية للاجئين والإرهاب»، وهو الذي يتناول فيه صراع الطبقات الجديدة في جميع أنحاء العالم، وحول تأثره الماركسي يقول جيجك «يعتبرني كثيرون ماركسياً مجنوناً ينتظر نهاية العالم، قد أكون غريب الأطوار، إلا أني لست مجنوناً، ما زلت متمسكاً بالشيوعية في ظل غياب ما هو أفضل وبسبب يأسي من الأوضاع في أوروبا».
غير أن جيجك كان قد ترك الحزب الشيوعي عام 1988، عندما واجه علاقات مضطربة مع قنوات الحزب الرسمية لأن أفكاره لم تعتبر ماركسية تقليدية!!
ويرى جيجك أن العالم مقتسمًا بين الرأسمالية الليبرالية والأصولية، وهو يركز على ذلك التواطؤ الخفي بين المعسكرين، وفي مقطع فيديو شهير يدعو جيجك الناشطين في حركات التغيير إلى التوقف قليلاً لفهم العالم بشكل أفضل، ويقول:«في القرن العشرين ربما حاولنا أن نغير العالم بسرعة شديدة، وقد حان الوقت لتفسيره مرة أخرى، فلنبدأ بالتفكير».
علاء الدين محمود