هل يمكن أن يفسر الإعجاب بالروائي البريطاني الكبير جورج أورويل بعيداً عن الأعمال التي حملت سخرية لاذعة ضد الدكتاتوريات والأنظمة القمعية؟ ربما يختلف الناس في إجاباتهم، غير أن الواضح هو أن الأديب الكبير استطاع أن يثير إعجاب الكثيرين خاصة وهو يشتغل على فكرة تحرض على الانفلات من الأيديولوجيا موظفاً في ذلك أدبه وقدراته المعرفية، وكان لذلك الأثر الكبير في نجاح أعماله الأدبية الكبيرة التي لقيت رواجاً كبيراً ونالت إعجاب الناس حول العالم، وهو الإعجاب الذي مازال مستمراً إلى يومنا هذا، وما زالت الأعمال في متناول النقاد والقراء يتحدثون عنها كل حين.
ومن أبرز هذه الروايات ذات التأثير الكبير «مزرعة الحيوان» و«1984»، وكل من الروايتين تهاجمان الشمولية، وغياب العدالة الاجتماعية، فالأولى تحدثت عن الاتحاد السوفييتي والتراجع الكبير الذي حدث في مسيرة الأحلام الكبرى في العدالة الاجتماعية، في الاتحاد السوفييتي خاصة بعد نجاح ثورة 1917، الاشتراكية، التي مثلت خلاصاً من طغيان إلا أنها وفي تحولاتها وانحرافاتها أسست لطغيان جديد مع صعود الستالينية، أما الرواية الثانية، فتتناول النظام الشمولي والعيش تحت نير الأنظمة الدكتاتورية، والحقيقة أن كلاً من الروايتين تعكسان الموقف السياسي لأورويل ضد الشمولية والقهر، وتتناولان أثر ذلك في الحياة الاجتماعية، ومدى الاضطهاد الذي يلحق بالشعوب والظروف القاسية التي تعيشها، وهذا من العوامل الكبيرة والأساسية التي جعلت الناس يعجبون بكتابات أورويل الإبداعية التي تعكس موقفاً سياسياً، بل إن الكثير من معجبيه من النقاد والأدباء قد وصفوه بالقديس.
وفي أعمال أورويل نجد أثراً كبير لوظيفته كصحفي، فهو عمل محرراً صحفياً، تحت اسم جورج أورويل فالاسم الحقيقي له هو أريك بلير، وبين عامي 1941 و1943 عمل في هيئة الإذاعة البريطانية BBC، وفي عام 1943 عمل كمحرر أدبي في مجلة Tribune، وكتب الكثير من المقالات عن السياسة والأدب، وهذا يفسر ربما سر الاطلاع السياسي الكثيف عند أورويل، وربما يفسر كذلك قدرته كمراقب للأوضاع السياسية في العالم بأثره، لكن من الضروري طرح سؤال ما الذي يكمن وراء هذا الموقف المعادي للأيديولوجيا لدى أورويل، هل هو موقف أصيل؟، أليس الموقف المعادي للأيديولوجيا هو موقف أيديولوجي بالمقابل؟ الحقيقة أن أورويل لم ينج من تلك الاتهامات التي طالته، والتي أكدت أنه كان من أدوات الإمبريالية العالمية في محاربة الفكر الاشتراكي، ومحاربة الأنظمة الاشتراكية، تلك الحرب «الثقافية» التي خاضتها الولايات المتحدة عبر مخابراتها بدعوى حرية التعبير، والتي وصفت بأنها كانت وربما لا تزال معركة من أجل «تكييف العقول» لتتماهى مع سيادة القيم الأمريكية، غير أن الواضح أن أورويل استطاع أن يؤثر كثيراً في الناس، وما زالت رواياته تجد إقبالاً كبيراً.
alaamhud33@gmail.com