ببراعة شديدة يتمكن النحات المبدع عبد الكريم عبد الله الرواحي من تطويع الحديد الصلب وتحويله إلى شخوص ومجسمات تحمل قصصاً اجتماعية مختلفة من بنات أفكاره.. وفي حين لا يرى بعضنا في قطعة حديد إلا صدأها واهتراءها، إلا أن عبد الكريم يرى فيها جمالاً لا يحسه إلا فنان، ويحولها باللهب إلى قطعة جميلة تقول الكثير من الحكايات.
هو نحات متميز بدأ مشواره الفني منذ العام 2009 وهو من الفنانين العمانيين القلائل الذين اختاروا خامة الحديد للعمل عليها.
في رصيده الكثير من المشاركات المحلية والخارجية وعدد من الجوائز وما زال يعمل بجهد للتحضير لتدشين معرضه الشخصي الأول الذي سيضم العديد من الأفكار المميزة.... كيف يتم العمل بين الحديد والنار وما تفاصيل هذا العمل ولماذا اختار الحديد ليصنع به بصمته الخاصة؟ كل هذا في الحوار الآتي:
هل لك أن تعرفنا اليك بصورة أشمل، كيف كانت البداية مروراً باحتراف فن النحت؟
- أنا خريج جامعة السلطان قابوس، بكالوريوس تربية فنية، أشغل حالياً معلم فنون تشكيلية، نحات عضو بالجمعية العمانية للفنون التشكيلية وعضو بمرسم الشباب، وقد درست النحت والتشكيل أثناء الدراسة في الجامعة من عام 2005 إلى 2008.
ولكن بدايتي الفعلية وتوجهي الحقيقي لممارسة فن النحت كانت من خلال الورش الفنية المتقدمة والدورات التدريبية السنوية التي يقدمها مرسم الشباب في المجالات الفنية المختلفة، ومن ضمن هذه الورش كانت ورشة متقدمة في التشكيل بالمعادن والأسلاك في عام 2009 في محافظة البريمي، تلتها ورشة أخرى في العام 2010 في صحار، ومن خلال هذه الورش كانت الانطلاقة الحقيقية لي حيث اكتشفت شغفي الشديد بخامة الحديد وبدأت أنتهج الأسلوب الفني الخاص بأعمالي الفنية.
غالباً ما يلجأ النحاتون في عمان إلى العمل على خامة الرخام، وذلك ربما يعود لتوافرها بكثرة، حدثنا كيف ولماذا اخترت أنت خامة الحديد؟ وهل جربت العمل على أية خامات أخرى؟
- عمان تزخر بكوكبة رائعة من النحاتين ولهم باع طويل في هذا المجال، ينحتون على خامات مختلفة ونلاحظ بالفعل الكثير منهم ينحتون على الرخام، لكون الرخام يعد من الخامات النبيلة، ولكثرة توافره في سلطنة عمان باختلاف أنواعه وألوانه.
وإذا أتينا إلى خامة الحديد أو المعادن، ولماذا اخترتها؟ فهي في الحقيقة لا تقل قوة ونبالة عن الرخام والخشب وبقية الخامات وذلك لكون الحديد والمعادن تستخدم منذ سالف الأزمان والعصور، ونلاحظ وجودها بشكل دائم في حياتنا اليومية، هي خامة لها خصائصها الجمالية الفنية التي تميزها عن غيرها من الخامات، وأيضا القليل من الفنانين العمانيين على الساحة الفنية هم من يتخذون الحديد والمعادن كخامة أساسية في أعمالهم الفنية.
الخصائص الجمالية للحديد، وألوان الصدأ والأكسدة الطبيعية، وطريقة التعامل معه في النحت، هي من الأسباب التي جعلتني أختاره كخامة أساسية لأعمالي الفنية، وقد أدت كل هذه العوامل مجتمعة إلى وجود علاقة حميمية بيني وبين الحديد، ويراودني شعور جميل جداً عندما يكون الحديد واللهب بين يدي وأطوعه حسب ما أراه مناسباً.
وكنحات أيضا كان لا بد أن يكون لدي شغف تجربة النحت على خامات مختلفة غير التي انتهجتها في أعمالي، ومن هنا فقد سبق أن اشتغلت على الرخام ولدي أعمال نحتية ميدانية، واشتغلت كذلك على الخشب والخزف (الطي) ولدي خبرة بالنحت على معظم الخامات، ولكن يبقى الحديد هو ما يميز أسلوبي على الساحة الفنية.
حدثنا عن كواليس العمل على منحوتاتك، ما صعوبات العمل، وكيف تطوّع صفائح الحديد؟
- يتطلب مثل هذا النوع من أنواع النحت وجود مكان مهيأ ومجهز بالأدوات والآلات التي يحتاجها الفنان النحات، وبطبيعة الحال توجد لدي ورشة عمل مجهزة أقوم بإنجاز أعمالي فيها.
الكيفية أو الطريقة التي أعمل بها تعتمد على البناء والتجسيد أكثر من تدوير الخامات المستهلكة، فعادة أستخدم الحديد الخام بأشكاله المختلفة مع الصفائح المعدنية، وهكذا أجسد بها أعمالي من خلال القطع والصهر واللحام، ويكون الاعتماد الكلي في التشكيل بالحديد على تطويع الحديد الصلب والمعادن باختلافها لما يتناسب مع الفكرة الفنية.
وقد يتساءل البعض عن صعوبة تطويع الحديد والتحكم فيه رغم صلابته؟ ولكن بطبيعة الحال فإن الحميمية التي تجمعني مع هذه الخامة والإصرار والقناعة، كلها عوامل جعلتني أضع أصغر قطعة من الحديد الصلب بين يدي وأقوم بترويضها وتطويعها حسب ما أراه مناسباً لأفكاري الفنية، وأيضاً توجد هناك أدوات وآلات تساعدني في ثني الحديد وتطويعه.
حدثنا قليلا عن أعمالك، كيف تستوحي أفكارك الفنية؟
- الأسلوب الفني الذي أنتهجه يعتمد على رمز الشخوص البشرية، ففي كل أعمالي نجد أن الإنسان هو مركز السيادة فيها، وتدور الفكرة حول ظاهرة مجتمعية أو فردية قد تحدث للفرد أو المجتمع.. فأقوم بتلخيص الظاهرة بطريقتي الخاصة وتبسيط الشخوص وتجريدها لكي تتضح لدي الحركة والتعبير بما يتناسب مع الفكرة.
حالياً أنا أبحث عن الصفات والمزايا الإنسانية بشكل عام، وما يحب البشر، وما يكرهون، وأنا معني بثقافة الأمم والشعوب والتركيز على الحقب التي مرت بها البشرية، لإيجاد سمات شكلية جديدة للشخوص الآدمية بأسلوب بسيط، وتنفيذها بواسطة لحام الحديد وبقاياه من المعادن المختلفة.
أعمالك ليست سهلة، ما الوقت الذي يتطلبه العمل على قطعة فنية واحدة؟
- في أغلب الأحيان نجد النحات ينجز عملاً فنياً ما على فترات زمنية متباعدة وقد يأخذ ذلك منه وقتاً طويلاً، ولكن لدي قناعة شخصية قد تكون مختلفة عن الآخرين وقد يتفق آخرون معي بأن الضغط يولد الإبداع، فمنذ 7 سنوات تقريباً على انتهاجي مجال النحت على الحديد، وأنا أنتج وأنجز أعمالي في أوقات قصيرة جداً، كما أن إنجاز أي عمل يعتمد على الفكرة والحجم وعادة ما يستغرق من 9 إلى 14 يوماً متواصلة مع عمل يمتد من ثلاث إلى أربع ساعات في اليوم.
حدثنا عن أهم عمل فني قمت بتنفيذه وماذا كانت فكرته؟
- معظم أعمالي أعتبرها مهمة بالنسبة لي، كونها ترتبط بفكرة معينة كانت في بالي وتم تنفيذها في وقت معين، وتطلبت مجهوداً لا يستهان به، ولكن أهم أعمالي هو عمل نحتي من الحديد بعنوان (خط الحياة) وفاز بجائزة المركز الأول في مسابقة الأعمال الصغيرة عام 2009 على مستوى السلطنة وهي مسابقة ينظمها مرسم الشباب.
فكرة العمل كانت ترمز للشاب الذي يجب أن يحدد مسار حياته ويجتاز اختبارات الحياه ومتطلباتها لكي يصل إلى هدفه المنشود، وكل هذا يأتي من خلال التخطيط المسبق ورسم الهدف بوضوح وبصوره صحيحة، إذا ما أراد الوصول إليه أو أنه سيقع في دائرة الفشل.
وقد قمت بالتعبير عن الفكرة بحركة دوران شخص غير متوازن على حد الدائرة الحديدية، ما أوحى بعدم التوازن والحركة المستمرة وهنا تكمن قوة العمل، وما يعطي هذا العمل أهمية عن غيره أيضا، فهو أول عمل أنتجته بالحديد في مشواري الفني ، كما يعتبر الأول الذي شاركت به على الساحة الفنية المحلية، ومن خلاله حققت أول إنجاز لي.
لديك الكثير من المشاركات محلياً وخارجياً، لماذا تأخر معرضك الفني حتى اليوم؟
- صحيح، لقد شاركت في العديد من المعارض الفنية المحلية والإقليمية والدولية منذ عام 2009 وما زلت حتى الآن، ومنها: ملتقى النحاتين الخليجيين في البحرين 2015، سمبوزيوم مسقط الدولي للنحت والرسم 2012، ملتقى النحاتين العمانيين، سلطنة عُمان - البريمي 2013.