تنقسم مسيرة أمير الشعراء أحمد شوقي إلى ثلاث مراحل، المرحلة الأولى وتمتد من 1893 - 1914، وكان فيها شاعر القصر، أما المرحلة الثانية 1914 - 1919 وكان فيها شوقي منفياً في برشلونة / إسبانيا، والمرحلة الأخيرة من 1920- 1932 وهي التي عاد فيها إلى مصر ليعيش في كرمة ابن هانئ.
درس شوقي في مدرسة الحقوق وتتلمذ على الشيخ حسين المرصفي صاحب الوسيلة الأدبية، غير أن ذهابه إلى فرنسا من سنة 1891 حتى 1893، وتعرفه إلى أشعار لافونتين، وفيكتور هوغو، وألفرد دي موسيه، كان من المؤثرات الشعرية الأساسية في تكوينه.
أما في المرحلة الأولى فكان شعره في الأغلب، قصائد مديح في الأسرة الخديوية، وكانت هذه القصائد، معارضة للشعراء الفحول كأبي نواس، وأبي تمام، والمتنبي، وقد كتب شوقي في هذه المرحلة الكثير من القصائد المهمة ك «نهج البردة» و«الهمزية النبوية» و«البائية العثمانية» وغيرها من القصائد.
لقد عارض شوقي قصيدة البوصيري ومطلعها:
أمن تذكر جيران بذي سلم
مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم
بقصيدة مطلعها:
ريم على القاع بين البان والعلم
أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
كما عارض شوقي قصيدة المعري التي مطلعها:
غير مجدٍ في ملتي واعتقادي
نوح باكٍ ولا ترنم شاد
بقصيدة مطلعها:
كل حي على المنية غادي
تتوالى الركاب والموت حادي
ولاحظ بعض الدارسين لأدب شوقي أن مرحلة المنفى كانت على عكس المرحلة الباريسية، فترة انغلاق قضاها شوقي بعيداً عن الأدب الأوروبي الإسباني، والتيارات الأدبية المعاصرة، وقد تميزت هذه المرحلة بخلوها من شعر المديح، مثلما علت النبرة الغنائية والوجدانية في شعره.
أما المرحلة الثالثة في كرمة ابن هانئ، فتميزت باستجابة شوقي للأحداث السياسية الكبرى كإلغاء الخلافة العثمانية، والاقتراب الحذر من الحركة الوطنية المصرية، غير أن إسهام شوقي الجديد يتمثل في الشعر المسرحي، فقد كتب «مجنون ليلى» و«مصرع كليوباترا» و «علي بك الكبير» و«عنترة» و«أميرة الأندلس» و «الست هدى» و«البخيلة»، لكن موقف النقاد من شوقي ظل يتسم في كثير من الأحيان بالسلبية وعدم التقدير.
فقد أصدرت جماعة الديوان، كتاباً نقدياً اشترك فيه العقاد والمازني فانتقد العقاد شوقي، وأنكر عليه تقليده للشعر القديم، ثم ظهر «الغربال» لميخائيل نعيمة سنة 1923 وقد خص شوقي بنقد لاذع، ولعل موقف العقاد ونعيمة يمثل وحدة الموقف النقدي الرومانسي تجاه شاعر يعد ممثلاً للكلاسيكية الجديدة.
كما كتب طه حسين بين 1922 - 1923 مجموعة مقالات جمعت في كتابه «حافظ وشوقي» ولم يكن هجوم طه حسين قاسياً قسوة العقاد، وإن كانت محصلة هذه المقالات، التشكيك في أصالة شوقي وشاعريته.
وقد بين شوقي ضيف، وعرفان شهيد، من خلال تحليل نقدي لما كتبه العقاد وطه حسين أن الإشكالية النقدية تتمثل في محاولة أولئك النقاد تطبيق مقاييس نقدية لمدارس أخرى، على شعر لا ينتمي إلى تلك المدرسة، فقد طبق العقاد مقاييس النقد الرومانتيكي، في حين كان يستعير طه حسين مقاييس النقد الأدبي الفرنسي، فبدا شعر شوقي في ضوء ذلك كله مرفوضاً، لأنه لا يحمل السمات الأدبية التي يؤمن بها أولئك النقاد، وقد كان موقف النقاد الواقعيين من شوقي مشابهاً، فقد أخذوا عليه أنه شاعر الخديوي، ورأوا في مدائحه الكثيرة ومراثيه، دلالة تقربه من السلطة وبعده عن أحاسيس الشعب، وبصرف النظر عن مدى دقة هذه الأحكام، وصدورها عن دوافع أيديولوجية، فقد كانت النتيجة واحدة وهي محاولة التقليل من دور شوقي وأهميته وشاعريته.
لقد تعايش في شعر شوقي تيار قديم، يعارض فحول الشعراء وتيار جديد يتمثل في الشعر المسرحي، وفي تأثره بقصص لافونتين على ألسنة الطير والحيوان، ومن هنا تكمن قيمة شوقي، في تطويره لتيار الإحياء الذي بدأه البارودي، وفي تعميق اتجاهاته، وتلوين موضوعاته، واقترابها أكثر من روح العصر.
najatfares2@gmail.com