حين تدلف إلى داخل غرفة التجارة والصناعة بالشارقة، ربما ينسج خيالك صورة لأحد مكاتب التعاملات الحكومية التي تطغى عليها لغة الأرقام والرسوم ذات الطابع الإجرائي الذي يشير إليه الاسم، إلا أن ثمة وجهاً آخر للمكان يمكنك التعرف إليه بسهولة تتعدى السلاسة التي تتم بها المعاملات الحكومية في هذا المرفق المهم، يقوم على البحث والمعرفة، لتضطلع الغرفة بدور معرفي وبحثي وتوعوي، تمثله مكتبة غرفة التجارة والصناعة في الشارقة التي يضمها ذات المبنى، لتمثل منارة للرواد والموظفين والطلاب والباحثين ينهلون منها في فصول المعرفة المختلفة بالتركيز على الأمور الاقتصادية والمالية والتجارية.
المكتبة التي يعود تاريخ تأسيسها للعام 1978 وتضم بين أرففها، المرتبة بعناية فائقة، كتباً ودوريات ووثائق تروي شغف الباحثين عن معلومات في المواضيع التجارية والثقافية والقانونية المختلفة، وهي إلى جانب تركيزها على التخصص الذي يتمثل في اهتمامات المرفق الحكومي الموجودة فيه، يمكنك أن تجد ضمن محتوياتها كتباً متنوعة في مجالات متعددة في الثقافة والفنون وأخرى عن إمارات الدولة المختلفة بجميع أبعادها التاريخية والثقافية والاقتصادية، إلى جانب مؤلفات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بلغات مختلفة.
وتوفر المكتبة كذلك محتوى باللغتين العربية والإنجليزية ما يتيح لزوارها من جميع الجنسيات حول العالم أن يجدوا ما يبحثون عنه باللغة التي تناسبهم، وسط أجواء مهيأة للبحث والتحصيل، حيث صممت المكتبة منذ انتقال الغرفة للمبنى الجديد على نحو احترافي مماثل للمكتبات العامة في أي مكان.
وحازت المكتبة جائزة النجمة الماسية العالمية في الجودة في العام 1992 من المكسيك باعتبارها إحدى أميز المكتبات في العالم، وتعتبر من المراجع الرئيسية للكتاب والباحثين والأكاديميين المختصين بالتجارة والصناعة، لتوفر جميع الإصدارات الدورية والكتب المتخصصة في هذا المجال، كما أنها تمثل متنفساً لسكان الشارقة وموظفيها، ونسبة لما تتمتع به من علاقات متميزة داخل وخارج الدولة مع مؤسسات اقتصادية وأكاديمية ذات صلة بهذا الشأن.
فتيحة أحمد، أمينة المكتبة، تقول إن أبرز ما يميزها هو تنوع المحتويات بين الدوريات المتخصصة في التجارة والاقتصاد التي تمثل أغلبية المحتوى، إلى جانب كتب ومراجع مركزية في هذا الأمر، كما تضم قسماً خاصاً بالمؤلفات المكتوبة عن إمارات الدولة المختلفة، إلى جانب مجلات عربية وأجنبية مختلفة، وبعد جولة قصيرة يمكنك أن تجد أيضاً قسماً للكتب العامة التي تمثل مزيجاً من المعارف المختلفة.
وتشير إلى أن المكتبة تصدر منشورات ومؤلفات تعريفية بنشاطها باعتبارها منصة ترويجية، إلى جانب أطلس ضخم يضعك أمام تفاصيل اقتصادات جميع دول العالم، عبر توفر معلومات كافية عن هذه الدول في جميع المجالات، وتشير إلى أن لديهم تعاوناً كبيراً مع مجموعة من المؤسسات والمراكز الثقافية أبرزها «ثقافة بلا حدود»، إلى جانب مجموعة من المراكز الأخرى التي تتبادل مع المكتبة أبرز الممارسات، كما أن الدوريات منظمة بشكل هجائي، وهي مجلات تصدرها غرف تجارية في الإمارات وخارجها، إلى جانب منشورات الغرف التجارية من مختلف أنحاء العالم.
وتضيف أحمد: «صنفت الكتب بنظام ديوي، بحيث نضع جميع الكتب العربية في الخلف إلى جانب الكتب الإنجليزية في مكان آخر، والتقارير السنوية للغرف الصناعية والتجارية لجميع المؤسسات التي نتعاون معها، وكذلك لدينا قسم خاص بالموسوعات والمراجع وهي متوفرة للمراجعين والموظفين والباحثين، وفي الفترة الأخيرة ركزنا على كتب تنمية الذات عن السعادة والتغيير، الأمر هنا لا يقتصر على الصناعة والتجارة». وتضيف أن المكتبة تقدم كذلك خدمة توفير المعلومات المتخصصة في الأمور التجارية والاقتصادية، بما فيها المعلومات المختلفة اللازمة للبحث العلمي، مشيرة إلى أنهم يعملون على توفير أوعية المعلومات الكافية والرئيسية المتعلقة بالبحوث والأدلة التجارية، التي ترسل للمكتبة من المؤسسات المختلفة بشكل سنوي.
ويوجد بالمكتبة كذلك قسم مخصص للأطفال نظراً لوجود حضانة أطفال في الغرفة، لذلك وفرت المكتبة كتباً تناسب أعمارهم مصممة على شكل ألعاب، أما الكتب الكبيرة فتقرؤها إحدى المدرسات على الأطفال، ما يسهم في غرس روح البحث والمعرفة في نفوس الصغار وتنشئتهم على القراءة.
ويمكنك أن تكتسب الكثير من المجالات من خلال الزيارات المتصلة للمكتبة، فهي توفر للمتعامل ما يصقل إمكانياته ويجعل تعامله في القطاع التجاري والمالي أكثر يسراً من ذي قبل وفقاً لأحمد ناجي، وهو أحد المتعاملين الذين يداومون على زيارة المكتبة بين الفينة والأخرى. يشير إلى أنه لا يمكن أن يمر بغرفة التجارة والصناعة لإنجاز أي إجراء من دون الاستعانة بالمكتبة ومحتوياتها، ويضيف: «أتيت للمجال التجاري من مجال آخر بعيد عنه، إلا أنني اكتسبت الكثير منذ أيامي الأولى؛ ففي أحد الأيام كنت أقصد الغرفة لبعض الإجراءات، وعندما علمت أن هنالك مكتبة متخصصة زرتها لتغيير نظرتي للحقل التجاري بشكل كبير، لذلك أنصح كل الباحثين عن المعارف المتخصصة أن يأتوا لهذه المكتبة».
أما محمد عبدالله، أحد المندوبين المداومين على زيارة الغرفة، فيشير إلى أن المكتبة تمثل محطة رئيسية له في كل زياراته للغرفة، ويصف عبدالله علاقته بالمكتبة بالجيدة والتي نمت بعامل الزمن، مشيراً إلى أنها بدأت بالبحث عن معلومات محددة في الدليل التجاري وغيرها وتطورت الآن لتشمل الاستعارة والاطلاع المستمر.
وتقول شيخة راشد مجلان، مديرة مكتب الأرشفة والوثائق، وإحدى الموظفات المداومات على استعارة الكتب من المكتبة، إنها تمكنت من تطوير أدائها في العمل والحياة بشكل عام، لأن الكتب المتوفرة هنا تحفزك على البحث أكثر في المجالات المعرفية المختلفة، وتشير إلى أن نظام الاستعارة في المكتبة يعتبر مميزاً، حيث يمكن أن تمتد فترته إلى أسبوعين. وتضيف: «الكتب المتوفرة هنا متميزة، كما أنك يمكن أن تجد في أرجائها المتعة والمعرفة».
تزور «الخليج» أسبوعياً واحدة من المكتبات الوطنية المنتشرة في ربوع الدولة، لتتجول فيها وتتعرف إلى الكنوز التي تضمها والخدمات التي توفرها، من إنترنت وكتب مسموعة ومتعددة الوسائط ووثائق، وتلتقي روادها والقائمين عليها بهدف نقل القارئ إلى عالم غني بالمعرفة والخيال، ولتتيح له كماً هائلاً من المعرفة والفكر، وذلك تماشياً مع «عام القراءة».
الشارقة: مصعب شريف