تنتمي النقاشات والرؤى التي طرحها بينالي الشارقة 13، إلى الإنسانية، هي جزء من أفكار تحلم بسلام العالم، في وجه ابتذال الفنون والنظر إليها كسلع استهلاكية، تتنافس حولها الشركات العالمية، وقد عايشنا تلك النقاشات التي بذل فيها جهد فكري كبير، وهي بالفعل تؤسس لموقف جديد وعالمي للفنون، وضع في اعتباره المعضلات الكبيرة التي تواجه المؤسسات والجمعيات الفنية، وبالتي يقترح واقعاً جديداً لها، وهذه العملية لا يمكن النظر إليها بعيداً عن الدور الحقيقي للفنون، واصطفافها إلى جانب البشر في وجه تلك المحاولات المستمرة لتوظيفها أيديولوجياً لمصلحة أفكار سائدة، وفي قلب هذه العملية نشط المشاركون في بينالي الشارقة من أجل صياغة موقف أشبه بالبيان من الفنون ليس على الصعيد المحلي، ولا القومي، بل على مستوى الأفق الكوني.
ومع بينالي 13 أصبحت الشارقة قبلة للفنانين من مختلف أنحاء العالم، وأقرب إلى التجمع العالمي، الذي يهدف إلى مناقشة قضايا الجمال، في عالم يموج بالخراب، هو تأسيس فكري ضد التشيؤ، يقف بشكل جاد مع أنسنة الفنون، وربما في هذه النقطة تحديداً؛ نفهم ذلك الترديد المستمر من المشاركين لكلمة «منصة»؛ إذ تأتي لتعبر عن رغبة مكبوتة في أن تسود قيم الجمال، عبر «صناعة» أفكار وتبنّي أخرى، تعزز حقيقة من سيادة الجمال، وتنتصر على القبح، وربما صحيح، أن ذلك هو في حد ذاته تعبير أيديولوجي بالمقابل، لكنه في التفسير الأخير يأتي معبراً عن آمال البشرية في عالم أفضل وأجمل، يأتي هذا الموقف عبر تلك النقاشات العلمية حول قضايا الفنون، والتي جعلت من الشارقة «منصة» عالمية حقيقية لإدارة النقاشات المستمرة، وكذلك لصناعة السياسات والمواقف التي تسهم في المشهد الجمالي العالمي.
وأتت النقاشات والعروض في هذه الدورة من البينالي متمثلة تماماً لهذه الأفكار التي حملها الفنانون المشاركون، في سعيهم الحثيث لمقاربة ثيمات بينالي هذا العام، فطرحوا مواقف فلسفية جمالية، شديدة الحساسية تجاه القبح الذي يسود العالم، وهو ما عبروا عنه في تلك الأعمال التي قدموها بانحيازهم للإنسان ضد التدخل السافر في بيئته، وفي خياراته الفنية والفكرية، وفي تغذية العقول بأفكار لا تنتمي للإنسانية، وحقيقة الأمر أن النقاشات قد أفرزت بالفعل الكثير من الأفكار الجديدة والعملية، وجاءت العروض المقدمة هاضمة تماماً لثيمات البينالي «ماء، محاصيل، أرض وطهي».
وربما من المهم التوقف عند تلك اللحظة الفلسفية؛ التي أشارت إليها قيمة البينالي، كريستين طعمة، في تفكيكها لعنوان بينالي هذا العام «تماوج» بعبارات تعبر عن حلم حقيقي بانتصار الأفكار التي تعبر عن الأحلام الإنسانية، فالاحتفاء بالماء هو احتفاء بالحياة، ويبدو جلياً أن تلك الأفكار التي شهدها بينالي الشارقة، والتي انداحت لتنتقل لعدد من المدن في العالم، ستثمر وستشكل موقفاً جديداً حقيقياً من قضايا الفنون، ومن قضايا الجمال والخير والإنسانية في كل العالم.
علاء الدين محمود