اشتهر الفيلسوف الإيطالي بنديتو كروتشه 1866-1952م، بفلسفته المثالية، التي صنفت ضمن تيار الهيجلية الجديدة، واعتبرت نوعا من التجديد داخل حقل الفلسفة المثالية الموضوعية، وفي داخل منابعها في الأفكار الهيجلية، ولدى كروتشه، تنظير فكري خاص عن الفن، إذ يرى أنه لا يسعى إلى تصنيف الأشياء، مثلما هو الحال مع العلم، بقدر ما هو يتذوقها ويحسها ويمثلها، وعرف كفيلسوف مثير للجدل، لقيت أفكاره ردود أفعال متباينة جعلته من أكثر فلاسفة إيطاليا تميزًا في القرن العشرين.
يربط كروتشه المعرفة بالفنون، فهي عنده نوعان، واحدة تأتي عن طريق الفهم، وأخرى يراكمها الخيال، وهذا النوع من المعرفة التي تأتي عن طريق الخيال، توجه للفن، والفن يحتل المكانة الأولى في فلسفته، ويقع في درجة «هبوط عالم الروح»، وهي المرحلة الجمالية، التي تجسد روح الفرد، فإلى جانب هذه الدرجة يضع كروتشه أربع درجات في سياق مذهبه الفلسفي، فهنالك الدرجة المنطقية وهي التي تختص بالمجال العام، والاقتصادية والمختصة بالمصلحة الخاصة، والأخلاقية التي تشتغل على المصلحة العامة، ومن أهم مؤلفاته: علم الجمال، والفلسفة العملية، والمنطق، والتاريخ بوصفه قصة الحرية.
وعرف عنه كذلك كونه إيديولوجياً يتبنى الأفكار البرجوازية الليبرالية الإيطالية، وقف على النقيض من الأفكار الفاشية في إيطاليا، ووجدت نظريته في الجمال مكانة كبيرة في خريطة الفن البرجوازي، فكان يرى في الفن معرفة حدسية، فهو رؤية وحدس، والفنان يعبر عن الفن عبر اللغة أو اللون أو النغم أو الحجر، ويمزج العمل الفني بين التعبير والرؤية، فهو صورة ذهنية يؤلفها الفنان ويعيد متذوقو الفن تأليفها.
ولا يقر كروتشه بالأساس الاجتماعي، أو الطبيعة الطبقية للأخلاق، ففلسفته تنزع الأخلاق من مثل هذه المنابع، والفرد عند كروتشه يخضع للجميع، أي للنظام السائد، ويعبر هذا الاتجاه الأخلاقي في فلسفته عن موقف سياسي، فقد كان سياسيا وزعيما ليبراليا، احتل العديد من المناصب السياسية.
تأثر كروتشه كثيرا بالفيلسوف الألماني الكبير هيجل، خاصة في ما يتعلق بفلسفة الروح، لكنه سار في اتجاه مختلف عندما اعتبر أن الروح هي الواقع وأن تاريخها هو في المحصلة النهائية تاريخ الخبرة والمعرفة، والتي يقسمها إلى درجات كما أسلفنا، ويطلق عليها الدرجات أو اللحظات الأربع لا انفصال بينها، بل تمثل كل واحدة الحقيقة الكاملة، بينما أفرد للفلسفة الجمالية صفحات كثيرة في فلسفته، ووقف بشدة في وجه النقاد الذين اعتبرهم حراسا للمثال والمعايير، فهم عنده فنانون خائبون.
علاء الدين محمود