«أرنولد هاوزر» في كتابه «الفن والمجتمع عبر التاريخ»، الذي ترجمه إلى العربية الراحل د. فؤاد زكريا، يقدم لنا تاريخ الفن على أنه جزء من التطور العام للبشرية، وهو التطور الذي يستهدف به الإنسان حياة أفضل على الدوام، ومعنى ذلك أن المؤلف قد اتخذ من الفن موقفا محددا، يختلف عن موقف كثير من مؤرخي الفن وشراح الأعمال الفنية، فهو لا يكتفي بإيضاح طبيعة الفن من خلال الفن ذاته، وإنما ينظر إلى الفن داخل إطار أوسع، إطار الحياة الاجتماعية والحضارة الإنسانية في عمومها، وإذا كان بعض الشراح يتصورون أن إدخال عوامل خارجة عن مجال الفن عند شرح اتجاه أو عمل فني معين، هو خطأ منهجي أساسي، فإن المؤلف يدافع عن هذه النظرة إلى الفن داخل سياقه الاجتماعي والحضاري الأوسع، ويرى أن هناك عناصر معينة في العمل الفني لا يمكن أن تفهم فهما داخليا بحتا، وأن شخصية الفنان والظروف الفردية التي مر بها لا يمكن أن تفهم فهما داخليا بحتا، وأن شخصية الفنان والظروف الفردية التي مر بها، لا يمكن أن تكون على أهميتها الكبرى، كافية لتقديم تفسير كافٍ لظهور واختفاء اتجاهات فنية معينة، وللارتباط الواضح بين تلك الاتجاهات والعناصر الأخرى للحياة الاجتماعية السائدة في العصر الواحد.
وعلى الرغم من أن المؤلف قد اتخذ من فكرة الأصل الاجتماعي للفن قضية أساسية، وجعلها محورا لكتابه بأكمله، فإنه لا يدافع عن الفكرة إلى حد التعصب، وإنما يدرك حدودها، ويحرص على التنبيه إليها، وهذا ما يفرق بينه وبين كثير من المدافعين عن هذه الفكرة، الذين يحاولون تطبيقها قسراً حتى في الحالات التي لا توجد فيها أدلة أو شواهد تكفي لإثباتها، فتراهم يتعسفون في التفسير والتأويل رغبة منهم في إدراج كل ظاهرة فنية منفردة ضمن الإطار العام لتفكيرهم.
ولا يفعل المؤلف ذلك لضعف في إيمانه بضرورة تفسير الفن تفسيرا اجتماعيا، وإنما ترجع الحدود التي فرضها على التفسير الاجتماعي إلى سببين: أولهما نقص المعلومات المتجمعة لدينا عن فترات تاريخية معينة، أما السبب الآخر فهو الازدياد المطرد في تعقد المجتمعات البشرية، فالتفسير الاجتماعي للفن ينجح إلى أبعد حد في حالة المجتمعات البدائية البسيطة، ولكن كلما تعقدت المجتمعات البشرية قل الارتباط المباشر بين الفن والظروف الاجتماعية المحيطة به، وأصبح الأصل الاجتماعي للفن أكثر غموضا.
القاهرة: «الخليج»