صفحة منسية في علاقة العرب والروس

تتحاور الحضارات أملاً في التطور الذاتي والنمو الداخلي، والأدب إنتاج حضاري، يعكس في تطوره هذا الحوار البناء بين الحضارات، من منطلق الفهم لضرورة الحوار الإنساني بين الحضارات، بل حتميته، وتأتي هذه الدراسة وعنوانها «مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي» للدكتورة مكارم الغمري، كمحاولة من جانبها للكشف عن صفحة حوارية منسية بين الثقافة الروسية والحضارة العربية والإسلامية، من خلال البحث في المؤثرات العربية والإسلامية في الأدب الروسي في القرن الماضي وبداية القرن الحالي.
وقد أتيحت للمؤلفة فرصة البحث في مؤلفات الأدب الروسي منذ نهاية الستينيات، حيث كان الاستعداد يجري لكتابة رسالة دكتوراه الفلسفة في الأدب في جامعة موسكو، وكان موضوعها متعلقاً بتأثير الأدب الروسي، وإنتاج مكسيم جوركي بخاصة، على الأدب العربي الواقعي الحديث، وخلال البحث ظهر أيضاً تأثير ما للأدب العربي، ولا سيما «ألف ليلة وليلة» في إنتاج جوركي، فالعلاقة إذن متبادلة، وبدأ يتكون لدى الباحثة - على حد تعبيرها - طموح الكشف عن هذه العلاقة وتجلياتها.
يدخل موضوع الكتاب في إطار دراسات الأدب المقارن، التي تكتسب التأثيرات فيه مكانة مهمة، ليس من قبيل تسجيل الأمجاد التاريخية، بل من منطلق أهميتها في إماطة اللثام عن طبيعة العلاقات المعقدة والمتشابكة للتفاعل بين الثقافات، وما ينطوي عليه ذلك من توضيح مصادر التيارات الفنية والفكرية للآداب القومية، والكشف عن الأنساق الأساسية التي تمثل الجوهر البنائي للأعمال الأدبية.
يقع الكتاب في سبعة فصول تتناول الغمري فيها الموضوعات التالية: في الفصل الأول نبذة عن الأدب المقارن، ومكانة دراسات التأثيرات به، والثاني عن القنوات والوسائط التي تعرفت من خلالها روسيا إلى التراث الحضاري والروحي العربي والإسلامي، التي شكلت مرحلة التلقي والاستيعاب التي مهدت لعملية التأثير في الأدباء، ويأتي الفصل الثالث عن علاقة الشرق بالحركة الرومانتيكية الروسية، وفي بقية فصول الكتاب نقرأ عن التأثير العربي والإسلامي على اثنين من فرسان الحركة الرومانتيكية، هما بوشكين وليرمنتوف، كما يتناول الكتاب التأثير العربي والإسلامي في فكر تولستوي وإنتاجه، الذي يمثل قمة الاتجاه الواقعي في الأدب الروسي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.