Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18121

«موبي ديك»أعظم رواية في أدب البحر

$
0
0
القاهرة: «الخليج»

تضاربت الآراء بشأن رواية «موبي ديك» لا من حيث قيمتها الأدبية، التي لم تعد محل نزاع، بل من حيث مضمونها، ففريق من النقاد والدارسين والأدباء ينظرون إليها نظرة واقعية فيعتبرونها قصة مغامرات بحرية ومطاردة جبارة لحوت جبار، ويعزون قوتها الفنية إلى ذلك المزيج الفذ من دراية وخبرة بصيد الحيتان، ومن اطلاع واسع على كل ما كتب في ذلك الموضوع، وهو مزيج استطاعت مخيلة «هيرمان ملفيل» أن تحسن إبداعه من مخزونات تجربته الواقعية أيام شبابه، مع البراعة في إضفاء مفهوم شاعري وأخلاقي على كفاح عنيف، جرت العادة على ألا يكون له هدف وراء الربح المادي.
جاءت قصة «موبي ديك» مغامرة دافقة جريئة، حيوية بكل تفاصيلها الدقيقة ورمزيتها وصورها المثيرة التي يتمثل فيها البحر في جميع أحواله وتقلباته، وشخصياتها الغريبة، وتأملاتها الفكرية، وألوانها الحية الدافئة، وبسبب من قوة عناصر هذا المزيج وغرابته لم تجد «موبي ديك» صدى لدى الجمهور العريض، في وقت صدورها، وصد عنها النقاد، غير أن أصالتها أجبرت الجميع، بعد سنوات طويلة، على الاعتراف بها معلما من أبرز معالم الأدب في أمريكا، بل في العالم أجمع.
يرى د. ه. لورانس أن «موبي ديك» كتاب عظيم، بل أعظم ما كتب في أدب البحار على الإطلاق، فالقصة تبعث على الخشية في النفس وتملأ جوانبها بالرهبة، وهي قصة صيد أخير جبار، صيد ذلك الحوت الأبيض الذي يسبح وحده دوما، فإذا هاج أو غضب فما أفظعه، وما أكثر ما هوجم بلا جدوى، وظل طليقاً بلونه الأبيض كالثلج، وقد نجح ملفيل في إضفاء صبغة مطاردة بحرية حقيقية على القصة كلها، في سفينة حقيقية بملاحين حقيقيين، وحافظ على توتر المطاردة.
إن طرف الرمز في القصة هما الحوت «موبي ديك» والربان الأعرج «آهاب» الحوت الهائل يمثل كل ما هو غاشم معاد لإرادة الإنسان، و«آهاب» يمثل إرادة البشر بكل ما فيها من عزيمة تتحدى الموت نفسه في سبيل البطولة بكل ما فيها من كبرياء، وملفيل في عبقريته يصور «موبي ديك» رمز الشر جميلاً أخاذاً ذا جاذبية وإغراء لا يقاوم، بحيث تملأ النفس رهبته والإعجاب بقوته الساحقة، وفي النهاية فإن السفينة التي تقل الجميع تحطمت جنباتها، وغاصت إلى قاع المحيط، ولم تكتب النجاة إلا للبحار «إسماعيل» الذي عاش ليروي للأجيال قصة «موبي ديك» الذي لا يقهر.
في سن السابعة عشرة كان هرمان ملفيل قد اتجه إلى حياة البحر، وذلك بعد محاولات فاشلة عديدة، في العمل بأحد البنوك ثم في متجر للفراء، وفي مزرعة، ثم بالتدريس أخيراً، وكان أول عمل له في البحر صبياً براتب قدره ثلاثة دولارات في الشهر على سفينة مبحرة من نيويورك إلى ليفربول، وقد استغل ملفيل هذه التجربة في عبور الأطلنطي والإقامة مغترباً فقيراً شبه مشرد في ليفربول في كتاب «رد بيرن» بعد ذلك بحوالي 12 سنة.
وفي عام 1841 استقل ملفيل سفينة لصيد حوت العنبر في مياه المحيط الهادي، وكان كل رجالها، ماعدا واحداً، غير متعلمين، وبعد سنة وربع السنة رست السفينة في إحدى الجزر، من هنا هرب ملفيل والمتعلم الوحيد من جلافة البحارة وضراوة الربان، وبعد أيام من المخاطر وصلا إلى واد تقطنه قبيلة من البدائيين، مشهورة بأنها من أكلة لحوم البشر.
ومن حسن حظ ملفيل أن رباناً لسفينة أخرى قدم إلى الجزيرة وترامى إلى سمعه أن بين يدي أبناء القبيلة أسيراً من البحارة، فأرسل فدية، طلباً للإفراج عن البحار، وهكذا صار ملفيل بحاراً على تلك السفينة، التي تمرد بحارتها حين وصلوا إلى جزيرة تابعة لفرنسا، ورحل ملفيل مع من رحلوا، ليلتحق بالعمل في مزرعة للبطاطس، ثم سرعان ما عاد إلى العمل على سفينة لصيد الحيتان، بعدها التحق بالعمل في قاعدة أمريكية، تم تسريحه منها عندما كان عمره 25 سنة وذلك في عام 1844، وكانت الدنيا قد تغيرت بأسرته، أما هو فصار محط الأنظار باعتباره «الرجل الذي عاش فترة من الزمن بين أكلة لحوم البشر» وكان يسرد قصته على الناس الذين كانوا يلحون عليه أن يسجل هذه الأحداث في كتاب.
أهدى ملفيل «موبي ديك» إلى «هاوثورن» الكاتب الكبير الذي كتب له ذات يوم: «إني لا أشعر يا سيدي الأستاذ أني سأغادر هذا العالم وأنا منطو على الشيء الكثير من الراحة والرضا، لأنه كتب لي أن ألقاك»، ومع ذلك لم يرق لهذا الكاتب ما قرأه عليه ملفيل من «موبي ديك» بل إن عدداً من النقاد لم يتورعوا عن استقبال الكتاب بالزراية والتحقير وزادت الحالة سوءا بعد كتابه التالي «بيير»، وكانت أرباحه من الكتابة هزيلة، ما جعله يبذل محاولات شتى للحصول على وظيفة، تدر عليه مالا، واعتلت صحته، ولم يجد بداً من الانطلاق في رحلة إلى تركيا واليونان وإيطاليا وفلسطين، لكنه لم يجد مفراً من قبول عمل متواضع سنة 1866 فصار «مفتش جمارك» بنيويورك، وظل يعمل في هذه المهنة لمدة عشرين سنة كتب خلالها قصيدته «كلاريل» المكونة من 20 ألف بيت، وقبيل وفاته عام 1891 كتب قصته «بيلي» لينساه الجميع.



Viewing all articles
Browse latest Browse all 18121

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>