جورج إليوت.. روائية تقف إلى جوار شكسبير

ضمن أفضل مئة عمل في تاريخ الرواية، تحتل رواية جورج إليوت «ميدلمارش» موقعا متميزا داخل تلك القائمة، وقد وقع اختيار الموسوعة البريطانية عليها أيضا مثلما اختارتها قائمة نادي الكتاب النرويجي عام 2002، وقد صدرت ترجمة عربية حديثة للرواية، أنجزها شرقاوي حافظ، وصدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر.
تعتبر الروائية الإنجليزية ماري آن إيفانس من أشهر الكتاب في التاريخ الأدبي العالمي، وكانت الابنة الثالثة لأبيها الذي كان صاحب طاحونة في بلدتها.
ولدت ماري آن في 22 نوفمبر عام 1819 وتلقت تعليمها على يد مدرسة خاصة، وحين توفيت أمها سنة 1836 قامت هي برعاية البيت، وكانت في السابعة عشرة من عمرها، واستطاعت أن تلتحق بالمكتبة العامة، وتتأثر بأغلب ما قرأته من كتب يونانية ودينية.
في تلك الفترة كتبت ماري الكثير من المجموعات الشعرية مثل : الغجر الأسبان أجاثا النبي الصغير موت الطحالب ، كما ظهرت كذلك قدرتها على الترجمة، فترجمت كتاب «حياة السيد المسيح» لشتراوس عن الألمانية، و تعرفت إلى تشارلز براي وتعرفت في منزله على عديد من الليبراليين وتأثرت بآرائهم.
وحين مات أبوها ذهبت إلى سويسرا، ثم عادت لتستقر في لندن، وتعمل محررة في جريدة يديرها أحد الناشرين، وكانت تكتب آنذاك النقد والشعر، وتعمل بالترجمة، وبدأت تكتب القصة القصيدة، وكان ذلك كله يتم نشره باسم «تشابمان» غير أنها في عام 1851 تعرفت إلى الفيلسوف جورج هنري لويس، وسافرت معه إلى برلين، ثم عادا إلى برلين.
وفي عام 1859 قررت ماري أن تنشر الرواية باسم غير اسمها، وإن كان السبب الذي يميل إليه البعض هو خوفها من ظهور اسمها الحقيقي على أعمالها، لما كانت تصرح به من آراء تنتقد فيها رجال الكنيسة، إضافة إلى رفض المجتمع وأهلها لعلاقتها بالفيلسوف جورج هنري لويس، لكل هذه الأسباب اختارت ماري أن تضع على مؤلفاتها اسم رجل، وكان اسم جورج إليوت هو ما ظهر على أول روية نشرت لها وهي في سن الأربعين، ولاقت نجاحا منقطع النظير، جعل الناس يتساءلون: من جورج إليوت هذا؟ بل جعل ملكة إنجلترا فيكتوريا تعجب بها لدرجة أنها طلبت من الرسام الشهير في ذلك العصر إدوارد هنري أن يرسم بعض اللوحات المستوحاة من الرواية.
توالت روايات إليوت واستمرت تكتب بهذا الاسم، رغم أنها كشفت عن اسمها الحقيقي، في ذلك العصر الفيكتوري الذي ازدهر فيه الأدب وظهر كتاب كبار مثل توماس هاردي وأوسكار وايلد وجورج برنارد شو، وإيلي وتشارلوت برانتي وغيرهم، وبين هؤلاء جميعا تأثرت إليوت بالآراء الليبرالية، وكانت تقول: «المكافأة على مهمة أنجزت هي القدرة على إنجاز مهمة أخرى»، فعندما صدرت روايتها «ميدلمارش» عام 1870 قالت عنها إحدى المجلات: «هذه الرواية تمنح جورج إليوت أحقية الوقوف جنبا إلى جنب شكسبير».
«ميدلمارش» رواية تمثل طبقات المجتمع الإنجليزي، وتشير إلى أحداث حقيقية، تعمقت فيها جورج إليوت بين عوالم الشخصية ونفسيتها، وعكست من خلالها الصراع الإنساني بشكل يجعل القارئ يتخيل الشخصية ، وقد امتدح النقاد الرواية باعتبارها أعظم رواية على مستوى العالم، حتى إن فرجينيا وولف قالت إن «ميدلمارش واحدة من الروايات القليلة التي كتبت باللغة الإنجليزية للكبار»، وكانت إليوت نفسها تقول إن «أروع لغة هي التي تتألف من كلمات بسيطة وغير متكلفة».
قالت إليوت: «إذا ابتسمت أتاك الأصدقاء وإذا عبست آتتك التجاعيد»، وقد ماتت بالتهاب في الحنجرة في 22 ديسمبر عام 1880 ورغم أنها قالت إن «مسؤولية التسامح تقع على من يتمتعون بأفق أوسع» إلا أن من كان بيدهم الأمر لم يتسامحوا معها ورفضوا أن تدفن في مقبرة العظماء في «ويستمنستر» لكن العالم لم ينسى ما قالته إليوت «إن الموتى ليسوا موتى بالنسبة لنا إلى أن ننساهم»، إذ بعد 100 عام من رحيلها أقيم لها نصب تذكاري في ركن الشعراء في المقبرة، وأطلقوا اسمها على بعض المنشآت والمدارس.