مقدمة أي كتاب تنشد التعريف البسيط بمحتواه ومناخه العام، ودرج المؤلفون على أن يتم تقديم كتبهم بواسطة كتّاب آخرين، أو هي مهمة يتولاها المترجم في حالة الكتب المترجمة، وتصبح العملية في هذه الحالة توطئة وتمهيداً لعوالم الكتاب، غير أن المقدمة تتجاوز في أحايين كثيرة دور التعريف الواضح بالكتاب، ليقع المتلقي تحت هيمنة كاتب المقدمة.
إن «المقدمة» في أحايين كثيرة لا تقدم شيئاً، بل «تؤخر» محاولات استيعابك الأولى لنص الكاتب، هو يخلق عتمة أو تضليلاً مفتعلاً، سرعان ما تزول لحظة تخطي قوله هو، وولوج القارئ لقول المؤلف نفسه، وهذه العتمة، ربما يريد منها كاتب المقدمة احتكار استيعابه للنص بحيث يسرب إليك إحساساً، أنه لا أحد قد فهم النص بالقدر الذي استوعبه هو، خاصة في أعمال المؤلفين الكبار، إن كاتب التقديم يحاول بذلك أن يلغي القارئ تماماً عندما يفرض عليه وعلى النص تأويلاته وتخريجاته التي قد لا تتفق مع قول المؤلف إلى حد خيانة النص الأساسي، وكأنه يصنع نصاً جديداً موازياً، أو يفترض عليه أي النص أفكاراً يظن أنها قد غابت عن المؤلف.
هذا الفعل، يخل بدور التوطئة أو التمهيد كتعريف بمحتوى الكتاب، ويضّيع الغاية من عملية التقديم التي تستهدف في الأساس دخول القارئ إلى الفكرة الأساسية التي يحملها الكتاب بين طياته بيسر، مما يضيع كذلك على القارئ الفكرة من وراء تأليف الكتاب أي الهدف من النص، فالمقدمة تهدف في الأساس إلى تسليط الضوء على فكرة المؤلف، ومن ثم المواضيع التي سيتناولها الكتاب دون تفصيل يخل بعملية القراءة، ويلغي الفهم والتأويل الخاص بالمتلقي، فهذا الوسيط الذي من المفترض أن يقدم فكرة بسيطة عن الكتاب، يحول بتعقيده لعملية التقديم دون فكرة أساسية ودون إمكانية خلق علاقة بين مبدعين اثنين، المؤلف والمتلقي، نسبة للتشويش الذي يخلقه تأويله الخاص للنص، فكاتب المقدمة ينسى في أحايين كثيرة، أن التمهيد الذي يكتبه عن الكتاب هو ليس الكتاب نفسه، وأن مهمته تنحصر في كتابة توطئة مختصرة محيطة بأفكار المؤلف، هذه العملية تخلق معاناة كبيرة للقارئ مع هذه «المقدمة» الطويلة والمصادرة لعقل القارئ، والتي تفرض وصايتها على مجمل قول المؤلف، وهذه المسألة لفتت انتباه كثير من المترجمين والكتّاب، يقول المترجم مطاع صفدي في تقديمه لكتاب «الكلمات والأشياء» للفيلسوف ميشيل فوكو «إن أي مقدمة إنما تنصب فخاً لذاتها، لتغدو جزءاً مما تقدمه، في حين أنها تدعي اختيار العتبة دون ولوج البيت، إذ إن كل شرح أو تأويل، إنما هو شروع في دخول نص مختلف، مطالباً بأن يكون موازياً أو محاكياً للنص الأصلي».