يعتبر جامع القرويين في مدينة فاس أحد أهم المعالم الإسلامية في الغرب الإسلامي، وقد بني هذا المسجد في عام 245ه بتبرع من امرأة من القيروان، من سلالة الصحابي عقبة بن نافع الفهري، رضي الله، عنه فاتح تونس، اسمها أم البنين فاطمة بنت محمد بن عبدالله الفهرية، سكنت فاس وأرادت أن تشيد فيها جامعاً على غرار جامع القيروان في تونس، وكان في البداية مسجداً للصلوات والجمعة، وتقدم فيه دروس مبسطة، لكنه وعلى مر العصور التي مرت على فاس، لقي عناية من حكامها وأمرائها، فشهد توسيعات كثيرة، أصبح معها الجامع المركزي بالمدينة، بل انتقل في عهد المرابطين إلى جامعة، حيث توضع في عدة نواحٍ منه كراسٍ للتدريس يجلس عليها شيوخ العلم يلقون دروسهم على طلابهم، وأصبحت مع هذا التحول مدينة فاس مدينة علم وثقافة يؤمّها الطلاب والعلماء من جميع نواحي المغرب ومن الأندلس، كما أن الجامع أصبح معلمة حضارية في المغرب الأقصى تضاهي المعالم الإسلامية في الحواضر الأندلسية والمشرقية.
كانت مساحة المسجد عند تشييده تبلغ مئة متر مربع، ويتألف من صحن تحيط به أربع بلاطات موازية لجدار القبلة ومحراب ومئذنة، وعرف أول توسعة له في عهد في عهد الأمراء الزناتيين التابعين للحكم الأموي بالأندلس، أيام الأمير عبدالرحمن الناصر، فوسع ليصل إلى نحو 3 آلاف متر مربع، إلى المسجد، وقام بعدهم المرابطون بإجراء توسعة أخرى، وأضافوا له الصومعة المربعة المميزة له، التي لا تزال قائمة إلى اليوم، وعندما بسط المرابطون نفوذهم على كامل المغرب في القرن الخامس الهجري، زادوا في سعة المسجد، وتفننوا في تزيينه بعناصر الزينة العمرانية الأندلسية، فأضافوا له القباب والمقرنصات، والتيجان الرخامية وأنواع الزخرفة النباتية، والهندسية والخط، وجعلوه تحفة عمرانية، وفي عهد الموحدين في القرن السادس الهجري كان الجامع قد أصبح مركزاً تعليمياً متقدماً، فاحتاج إلى المرافق الحيوية، فبنوا حوله المراحيض وفي الجهة الشمالية شيدوا تحت الأرض مخازن للمؤونة والأثاث الخاص بالمسجد، وصنع له حوض لتخزين المياه التي تجلب له من ينابيع المدينة، واستخدمت لإنارته ثريا كبيرة في القبة المضلعة في الوسط، ووزعت ثريات أصغر في أطرافه، وفي عهد دولة بني مرين في القرن السابع إلى التاسع الهجري بلغ المسجد ذروة سعته وتطوره، حيث بلغ عدد دعاماته 270 دعامة موزعة على 16 بلاطة.
الشارقة:محمد ولد محمد سالم