ماذا لو تضمنت مناهج الطلاب التعليمية قصصاً مثل «الرهان» للروسي «أنطوان تشيخوف»؟ ولماذا لا يتفكر الشباب في مثل هذه القصص العميقة التي تحوي خلاصات حكمة وكنوز ومعرفة، لم تعد تجد لها سبيلاً بين العديد ممن تغريهم الحياة بما لا يجدي.
وقصة «الرهان» تتحدث عن مصرفي دار بينه وبين ضيوفه نقاش حول «عقوبة الإعدام» بين مؤيد ورافض، وكان رأي المصرفي أنها عقوبة أكثر إنسانية من السجن مدى الحياة، وخالفه محامٍ شاب من بين الحاضرين قائلاً: إنه لو خيّر بين الاثنين سيختار السجن مدى الحياة على الموت!.
لم يتوقع أحد الضيوف كما لم نتوقع أن يحوّل «تشيخوف» قصة سهرة لطيفة بين أصدقاء إلى رهان حاسم بسبب اتفاق أبرم في لحظة تحدٍ بين المصرفي المتشبث برأيه، مع المحامي الشاب المتحمس لفكرته، وكان مبلغ الرهان مليون روبل سيدفعها المصرفي للمحامي، لو وافق على أن يعيش مسجوناً لمدة خمسة عشر عاماً، فلا يخرج من حجرته مطلقاً، ولو خرج قبل ساعة واحدة من انتهاء المدة المحددة ينتهي الرهان بخسارته.
وفي السجن، يمضي المحامي أوقاته في قراءة الكتب والكتابة، والعزف على البيانو، حيث يتدرّج حاله من وحدة شديدة واكتئاب في البداية، إلى هدوء وصفاء نفسي وعمق حكمة، بعد أن أتقن دراسة عدة لغات، ودرس في العلوم والأدب والفيزياء، منهياً قراءة 600 مجلد خلال أَربع سنوات فقط، فما بالكم بعدد ما قرأه في السنوات التالية؟
كان المحامي يقرأ وينهل من العلوم، والمصرفي يعمل ويكسب المال، ثم تتدهور أعماله ويخسر أمواله، حتى لم يبق إلا يوم واحد من انتهاء الخمس عشرة سنة على الرهان المتفق عليه، ففكر المصرفي بقتل المحامي قبل أن يفلسه، ولن يدري أحد بموته بعد أن أخفى السجن أثره وأبعده عن الناس والمجتمع.
تسلل المصرفي إلى حجرة السجن في المساء، وكان المحامي نائماً لا يدري بشيء، وقبل أن يرتكب جريمته عثر على رسالة كتبها المحامي عن تأثير الفترة التي قضاها في السجن، وعلّمته احتقار المال، لأنه شيء عابر، ففي النهاية لن يبقى للإنسان إلا المعرفة التي كسبها طوال حياته، لذا فهو يتنازل عن مال الرهان، وسيخرج من السجن حاملاً معه كل ما اختزنه في عقله من علوم ومعارف.
بتلك الكلمات نجا المحامي من الموت، لأن المصرفي تراجع عن جريمته وخرج مطمئناً هادئ النفس.
لكن فرحة المصرفي بخلاصه من الرهان كانت بسبب خوفه من الإفلاس المادي، ولم يفهم أبداً، سبب خرق المحامي معاهدته مع المصرفي، وتنازله عن المليون، مقابل ما كسبه طوال خمسة عشر عاماً من علوم ومعارف.
الشباب بحاجة لإدراك عمق فلسفة الحياة، ولدينا من القصص ما يجعلها أقرب للفهم!.
basema.younes@gmail.com