Quantcast
Channel: صحيفة الخليج | ثقافة
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18107

هيجل

$
0
0
علاء الدين محمود

ما زالت كلمة الفيلسوف الألماني جورج فيلهلم فريدريش هيغل 27 أغسطس 1770 - 14 نوفمبر 1831، هي العليا في الفلسفة، فلسفته العميقة والمتعددة والمتداخلة، بناظم صارم، لا يسمح بفهمه مجتزأً، إلا عبر فهم فلسفته كاملة، ولكأن تاريخ الفلسفة، أو تاريخ التفلسف، واتخاذ موقف كبير من الحياة والوجود والعدم، كل هذه الأشياء والتي تحولت إلى مفاهيم فلسفية، كأنها بدأت مع هيجل، رغم مرور عشرات الأفكار السابقة عليه، وعلى رأسها وعلى نحو قريب فيختة وكانط، ف هيجل كان المنعطف الأكبر في تاريخ الفلسفة، صاحب فيوضاتها وفتوحاتها الكبرى والحاسمة، حتى صار يلقب بفيلسوف ألمانيا الأكبر، ليصبح ممراً لا بد منه لكل مرتادي الفلسفة، بل بوابة الفلسفة الكبرى التي أخذ منها الفلاسفة فيما بعد، تأثروا به واتفقوا معه، وتأثروا به واختلفوا معه، وبعضهم من اختلف معه بأدواته، وانقلب عليه بعد تمثل مفاهيمه.
وكان ميلاده الفلسفي لحظة فارقة، ليس في ألمانيا فقط، ولكن منذ أن انتشرت مفاهيمه، وآراؤه صار هنالك كلمة جديدة، وموقف جديد، وتاريخ جديد للبشرية منذ أن أطل كالبرق عبر مؤلفه الشامخ «فينو مينولوجيا الروح»، الكتاب أو المنجز أو المرجع الذي أحدث انقلابا كبيرا في المعرفة، الكتاب الذي أرخ للعقل البشري، ورصد تقلباته عبر التاريخ، كيف صارت المعرفة وتطورت وكيف تتطور، هو الكتاب الذي يؤرخ لتلك الإضاءات التاريخية للعقل البشري، حتى لحظته، أي حتى لحظة كتاب هيجل «فينو مينولوجيا الروح»، لأن لحظته تلك هي علامة فارقة جديدة في تاريخ المعرفة البشرية، وكذا في تاريخ العقل، فقد أحدث بالفعل ثورة كبيرة في الفلسفة، وبات كأنه «سفر» لا بد منه لكل من أراد أن يسير في طريق الفلسفة.
كل الفلاسفة وردوا «فينو مينولوجيا الروح»، وقد احتفى الناس بهذا الكتاب في أوساط النخب حينذاك، حتى ليظن الناس أن ليس هيجل من قام بتأليفه، بل هو كتاب قادم من عمق الأساطير والميثيولوجيات القديمة، ليصبح معينا لكل من أراد أن يغوص في مغامرات الوجود، ويجتلي مجاهيلها، وربما ما أسطر حقيقة لهذا المؤلف العظيم كون كاتبه كان في عمر صغير، حيث لم يتجاوز هيجل حينها السابعة والثلاثين عاما، ولا عجب أن يتحول هذا المؤلف نفسه إلى أيقونة، ومادة تشبع، لا نقول تقتل، بحثاً.
ولم يكن غريباً أن يتأثر الفلاسفة اللاحقون بفلسفته التي شكلت الأساس الذي انطلق منه كل الفلاسفة، فمن «المعرفة المطلقة» و«الفكرة المطلقة» أتت كل الفلسفات اللاحقة، التي شكلت امتداداً أو اختلافا مع هيجل، لكنه الاختلاف الذي ما كان من الممكن أن يظهر لولا وجود المختلف عليه، وهي المفاهيم التي وضعها هيجل، بالتالي كل الفلسفات من لدن ماركس وحتى دولوز وهبرماس كلها خرجت من عباءة هيجل.
يقول هيجل عن فلسفته أنها احتوت الفلسفات السابقة جميعاً، بل هو قام بتفسير ما أراد من سبقه من الفلاسفة أن يقوله ولم تسعفهم التجربة الإنسانية في الاستدلال عليه أو إيضاحه، يقول والاس عن هيغل «إن ما يريد هيجل أن يقوله ليس جديداً ولا هو مذهب خاص، إنما هو فلسفة كلية عامة تتداولها الأجيال من عصر إلى عصر، تارة بشكل واسع، وتارة بشكل ضيق، ولكن جوهرها ظل هو هو لم يتغير، وقد ظلت على وعي بدوام بقائها وفخورة باتحادها مع فلسفة أفلاطون وأرسطو».
لقد ميز هيغل بين ثلاثة مفاهيم مبينا التداخل والانفصال فيها: الحقيقة، والوجود، والوجود الفعلي.
كما أيد في نقاشه مقولة أفلاطون: أن هناك انفصالا بين الحسي والعقلي ولكنه ليس انفصالاً مطلقاً، بل علاقة متداخلة، وأن المعرفة بكليتها ناتجة عن تلك العلاقة المتداخلة بين الحسي والعقلي، ومن هذا الأساس الجدلي نشأت فكرته عن الوحدة المطلقة بين الفكر والوجود وشكلت الأساس الذي قامت عليه فلسفته برمتها.

alaamhud33@gmail.com


Viewing all articles
Browse latest Browse all 18107

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>